كنا في ردهة الانتظار امام عيادة احد الاطباء، وكان رجلا شديد التأنق بحلة زرقاء وربطة عنق زاهية، ويحمل حقيبة جلدية سوداء تلمع ازاريرها الذهبية، يذهب ويجيء في الممر ويسأل الممرضة عشر مرات في الدقيقة عن موعد قدوم الطبيب للعيادة. والجميع ينتظر بترقب متحفز ان كان سيدخل قبلهم الى الطبيب، فكلنا كنا نعرف من يكون هذا الشخص من النظرة الاولى.. انه مندوب احدى شركات الادوية. وفي عدد الاول من اكتوبر بجريدة (النيويورك تايمز) قرأت انه صدر قرار من الحكومة الامريكية بمنع شركات الدواء من تقديم الهدايا والحوافز للاطباء. فقد حذرت الحكومة شركات الادوية من الاستمرار في اعطاء أي هدايا مادية او حوافز من أي شكل ونوع للاطباء وللصيدلانيين والتي تهدف لتشجيعهم لوصف دواء بعينه مجاراة لتوصية هذه الشركات.. او تحويل الوصفة من دواء الى دواء اخر يخدم مصلحة الشركة بعينها. كما يقول المقال ان الحكومة اشارت الى ان كثيرا من التصرفات تستخدم بشكل شائع في تسويق وبيع الادوية التي من المحتمل انها تعسف القانون. لذا فهي تمنع منذ الان تقديم أي نوع من الحوافز او المنافع المادية لتشجيع او "مكافأة" الطبيب على وصفة للادوية المرادة من قبل شركة معينة. (فمنذ سنوات والتنافس الطاحن صار من طبيعة السوق في صناعة الأدوية مما جعل شركات الادوية تقدم كل ما في وسعها لترغيب الاطباء في منتجاتها من خلال الرحلات والترفيه والندوات في الفنادق والمطاعم الفارهة وتعتبر الحكومة ان هذا تحايل على قوانين الرشوة (kickbacks statue). ونقلي لهذا المقال لا ارغب فيه نقدا، على انها ملاحظة لشيء نراه ونلمسه في كل زيارة طبيب منا ومن غيرنا.. ونعرف مؤتمرات ومنتديات في الداخل والخارج تتعهد بها شركات الادوية، وكنا نرى ألا ضير في ذلك ما دام هذا يقع في مصلحة الاطباء علميا وتطبيقيا.. وهي دعوة الى الناس العارفين لدينا ليوضحوا ان كان هذا الذي نراه ونلاحظه امرا عاديا مقبولا؟ ام كما تقول السلطات الامريكية انه تصرف خارج عن اخلاق الطبيب؟ وهل يحتاج الطبيب تعريفا بالدواء من الشركة المصنعة ام ان هناك طرقا اخرى.. وايهما افضل؟ الذي صار على رجلنا الانيق صاحب الشنطة والحلة الزرقاء انه لما رأى الطبيب يدخل عيادته دلف وراءه مباشرة الا ان الطبيب رده قائلا: الا ترى المرضى الذين ينتظرون؟! وانسحب الانيق بابتسامة أقل اناقة!