لقد كانت رسالة الاسلام هي الرسالة الخاتمة للرسالات السماوية جمعاء، وقد قيل الكثير حول اسباب هذا الختم مما لا مجال هنا لاستعراضه إلا ان النظر في تاريخ الرسالات السماوية وعدد الانبياء الذين ارسلوا لاهل الارض، من لدن آدم عليه السلام الى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ينبئنا عن ابرز اسباب هذا الختم للرسالات السماوية، فقد ارسل الله عددا كبيرا من الرسل والانبياء تجاوز عددهم المائة الف كما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه: (قلت: يا رسول الله، كم كانت الانبياء؟ وكم كان المرسلون؟ قال: كانت الأنبياء مائة الف وأربعة وعشرين الف نبي، وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر)، وهؤلاء الرسل والانبياء اختارهم الله من مختلف الاصقاع والبقاع والمجتمعات حتى لم تبق أمة الا وجاءها رسول أو نبي (.. وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) فاطر 24، وهذا يعني ان دعوة التوحيد قد عمت كل المجتمعات البشرية ولم يبق للناس من حجة على الله بعد الرسل كما ورد في القرآن الكريم، وهذا سبب جوهري لختم الرسالات. وبما ان رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت الرسالة الخاتمة فقد جعلها الله للعالمين كافة، اما الرسالات السابقة فقد كان كل منها يختص بقوم من الاقوام، ومن اجل هذا فقد امتازت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بسمات خاصة تضفي عليها سمة العالمية والشمول والصلاحية حتى آخر الزمان، ومن أهم هذه السمات: 1- ان الدليل على وجود الله وصدق الرسالات السماوية كلها بما فيها الرسالة الخاتمة اصبح ابتداء من عصر هذه الرسالة دليلا عقليا ينطلق من القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه الى يوم القيامة، والذي تشهد آيات الافاق والانفس بأنه حق وصدق، ولم تعتمد هذه الرسالة في اثبات صدقها على المعجزات الخارقة للعادة، كما كان شأن الرسالات السابقة، فلم تعرف للنبي محمد صلى الله عليه وسلم معجزات مادية مشهودة لاثبات صدق رسالته واقامة الحجة على قومه، اما المعجزات الكثيرة التي اجراها الله عز وجل على يديه صلى الله عليه وسلم فقد وقعت في مناسبات لا علاقة لها بهذه الرسالة، وقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد ان عصر المعجزات الحجة قد انتهى، وذلك ايذانا بختم النبوات، قال تعالى: (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا نصيرا) الاسراء 89-96، وبدلا من المعجزات الخارقة نجد ان هذه الرسالة الخاتمة قد تضمنت الكثير من الدلائل التي تشهد على مصداقيتها، وما ظاهرة (الإعجاز العلمي في القرآن) التي بدأت تتكشف لنا آفاقها في السنوات الاخيرة الا واحدة من هذه الادلة، فقد كشف لنا العلم الحديث العديد من الحقائق التي اخبر عنها القرآن الكريم قبل اربعة عشر قرنا من الزمان ولم يتحقق منها العلم الا في السنوات الاخيرة، وهذا مصداق قوله تعالى عن كتاب هذه الرسالة الخاتمة: (إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين) سورة ص 87-88، أي لتعلمن صدق ما أخبركم به بعد فترة من الزمان، وهذا ما حصل بالفعل، وفي هذا دليل مادي متجدد على صدق الرسالة الخاتمة، وهذه السمة المعجزة في القرآن الكريم سوف تظل متجددة على مر الزمان مهما تقدم العلم، ومهما كشف لنا من اسرار هذا الوجود! 2- بما ان هذه الرسالة الخاتمة سوف تصاحب البشرية حتى اخر الزمان، وما يطرأ على المجتمع البشري خلال هذه الرحلة الطويلة من تغيرات وتطورات، فإن معظم الاحكام التي قررتها هذه الرسالة جاءت بصيغ ظنية الدلالة، لكي تفسح المجال للعقل البشري ان يجتهد ويستنبط الاحكام التي تساير الواقع ولا تتصادم معه، اما ما عدا ذلك من شؤون الدنيا التي لا تقبل التغير ولا التطور فقد جاءت احكامها في القرآن الكريم بصيغ قطعية الدلالة، وهي احكام قليلة جدا اذا ما قارناها بالاحكام الاولى، وهذا ما يضفي على الرسالة الخاتمة صفة المرونة والقابلية للتجاوب مع متطلبات الواقع مهما طرأ فيه من تغيرات او تطورات، وهذا ما اهل الرسالة الخاتمة لتواكب مسيرة البشرية حتى اخر الزمان. 3- ان الله عز وجل قد تكفل بحفظ كتاب هذه الرسالة الخاتمة كما قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر 9، وهذا ما لم يحصل لاي من الكتب السماوية السابقة التي لم يبق منها كتاب الا تعرض للضياع او التحريف او الدس، وفي هذا حكمة بالغة، حتى تكون المرجعية الدينية الاخيرة واحدة.