المشهد العام الذي تركته الأيام الأولى من انتهاء فترة تصحيح أوضاع العمالة وبدء ملاحقة المخالفين لقواعد وأنظمة الإقامة ، والأعداد الكبيرة للمحلات والمتاجر المغلقة في مختلف المدن والمحافظات والمراكز ، يكشف بجلاء ضخامة حجم المقيمين غير النظاميين ، حتى بعد كل تلك التسهيلات والمهل التي منحتها الجهات الرسمية للمقيمين لتصحيح وتصويب أوضاعهم ، مما يعني أننا فعلا كنا تحت طائلة استنزاف كبيرة لمواردنا وخدماتنا من قبل وافدين غير نظاميين ، مثلما يكشف أيضا عن حجم حالات التستر التي كانت تضيق الخناق على فرص العمل لشبابنا في أسواق احتلتها العمالة الوافدة على مدى سنوات. الآن ونحن أمام هذا المخرج الذي أنجزته حملات التصحيح ، وانكشاف الكثير من فرص العمل التي كان يغطيها الأجانب ، ويحتكرون منافعها على حساب المواطن ، ماذا أعددنا من الخطط التثقيفية التي تستدعي شباب الوطن للإفادة من هذه الفرصة التاريخية ؟ ، ماذا قدمت الغرف التجارية من حملات التوعية والاحصائيات بالأرقام التي تضع حجم مكاسب هذه الفرص تحت تصرف أبناء الوطن ؟ ، وما الدور الذي ستقوم به الغرف التجارية والبنوك وسواها من الجهات ذات الصلة للدفع بهؤلاء الشباب لاستثمار هذا الجهد الوطني المسؤول ، الذي جعلنا نفيق منذ اليوم الأول على كل هذا الكم من المؤسسات الصغيرة المغلقة ، والذي لا بد وأن يتضح حجمه بشكل أكبر مع مضي هذه الحملة إلى نهاية أهدافها . في تقديرنا أننا مطالبون الآن وعلى وجه السرعة كقطاع عام وخاص بنفس الوقت لتقديم كل ألوان الدعم لشباب الوطن للانعتاق من سيطرة ثقافة الوظيفة ، والانخراط في هذه الأسواق التي بدا وجهها الطبيعي بعد هذه الفلترة كأهمّ مصادر الرزق والحياة الكريمة ، وأكثرها إغراء ، خاصة بعد أن تقلصت رهانات العمالة في التصدي لها على مدار الوقت بحكم تفرغها التام للعمل ، لعدم وجود أي ارتباطات أسرية أو اجتماعية ، مما كان فيما مضى يعطي العامل الأجنبي الكثير من فرص النجاح فيها على حساب المواطن ، ويقطع الطريق على أي منافسة. لقد قطعت هذه الحملات حتى الآن أكثر من نصف الطريق لتصحيح أوضاع أسواقنا ، وبقي النصف الآخر في عهدة الشباب من الباحثين عن العمل ، شريطة أن يجدوا كل ما يحتاجونه من الدعم والمساندة سواء فيما يتصل بالإقراض ، أو كشف حسابات العوائد والأرباح التي تؤمنها هذه الأعمال المتاحة ، فهل نتوج تلك الخطوات المباركة باستثمارها بالشكل الصحيح ؟. الابتعاث .. وبناء مجتمع المعرفة يستأنف قطار برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي انطلاقته مجددا ، بمرحلته التاسعة وعلى متنه «7585 « مرشحاً ومرشحة ممن انطبقت عليهم الشروط، تنفيذا لرؤية القيادة الرشيدة الهادفة لإعداد أجيال متميزة لمجتمع معرفي مبني على اقتصاد المعرفة، وتأهيل الموارد البشرية السعودية، بشكل فاعل لتصبح منافساً عالمياً في سوق العمل ومجالات البحث العلمي ورافداً مهماً في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة. إن ابتعاث الكفاءات السعودية المؤهلة للدراسة في أفضل الجامعات بمختلف دول العالم ، يؤكد بما لايدع مجالا للشك حرص القيادة الرشيدة لهذه البلاد على الاستثمار في الانسان بوصفه العنصر الفاعل والأساسي في تنمية الوطن من خلال توفير مستوى عالٍ من المعايير الأكاديمية والمهنية من خلال برنامج الابتعاث، وتبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع مختلف دول العالم، وبناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل ، ورفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية . وزارة التعليم العالي بدورها تطبق معايير الشفافية والعدالة في ترشيح واختيار المتقدمين وفقا لحاجة المناطق والمحافظات، وبحسب نسبة السكان في المملكة الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، للإسهام في دفع عملية التنمية المتوازنة بجميع المناطق. ما يثلج الصدر حقا ، هو تأكيد الملحق الثقافي السعودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية الدكتور محمد العيسى خلال ملتقى المبتعثين في جدة أمس، بأن المبتعثين السعوديين هم أقل الطلاب الدوليين مخالفة للأنظمة في الولاياتالمتحدةالامريكية رغم عددهم الكبير وفقا لبيانات دائرة الهجرة الأمريكية .. بالتأكيد شبابنا بخير.. والوطن ينتظر منهم الكثير بعد عودتهم من رحلة العلم ، ليفيدوا أنفسهم ومجتمعهم بما تعلموه.