لم يكن أحد منا يظن أن أوضاع العمالة في السوق السعودية بهذا السوء، ولم نتوقع أن تكون أعداد المخالفين، غير النظاميين منهم بهذا الحجم، وهذه الأعداد المهولة! بعد أسبوع واحد من انتهاء المهلة التي حددتها وزارتا الداخلية والعمل، لتصحيح أوضاع المقيمين العاملين في القطاعات الخاصة، بدت شوارع مدن المملكة شبه خالية وهادئة، تسير فيها حركة المرور بانسابية فترة السبعينيات. وهذا يعني أمرين مهمين يقودان لعديد من الأسئلة، حول أوضاعنا الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. الأمر الأول الخلل الواضح في ضبط أوضاع العمالة من الأساس. الأمر الآخر عدم الاهتمام بالقضايا الجوهرية ومعالجتها قبل تفاقمها. تؤكد أرقام الإحصائيات أن الجهات المعنية قامت بتصحيح أوضاع أكثر من أربعة ملايين عامل، وشمل التصحيح المخالفين لأنظمة الإقامة بمهن مختلفة عن المهن المستقدمين بها، وبوجودهم في مناطق غير المناطق التي جاؤوا للعمل فيها، ومع غير كفلائهم من الأفراد والمؤسسات بموجب تأشيرات الاستقدام. هل كنا بحاجة لهذا التصحيح، وبهذه الآلية، لإنهاء أزمة متفاقمة، لنكتشف كثيرا من الأخطاء والفساد المستفحل في قطاعات متعددة؟ نعم التصحيح كان ضروريا ولكن كان من الأفضل أن يكون تدريجيا. إذا كان أعداد الذين تم تصحيح أوضاعهم، تزيد على ستة ملايين، فماذا عن أعداد المتخلفين من حملات الحج والعمرة الفارين عن عيون النظام، المتستر عنهم والمندسين في جحورهم، حتى انتهاء حملات التصحيح، وهذا يعني أن أعداد العمالة غير النظامية في المملكة أكبر. وهنا يبرز سؤال وهو الأهم.. هل فكرنا حقا في تصحيح أوضاع الفساد الذي شاركنا كمواطنين في تفاقمه، وبات يشكل خطرا على البلاد والمجتمع؟ كان من أكثر ما واجهناه من مشكلات عمقا، أننا لم نوجد العمالة البديلة لكثير من المهن والأشغال التي اتكلنا فيها على الوافدين، فأصاب الشلل حركة الأسواق، لندرة الكفاءات الوطنية الماهرة في مهن يحتاج إليها الناس وتمثل جزءا مهما في تسيير كثير من أمور حياتنا، ومع الأسف الشباب الذين انخرطوا في معاهد التدريب المهني لم يمارسوا المهن التي تخرجوا بشهاداتها لسد احتياجات السوق والمجتمع. بل إن الغالبية منهم، ساهموا في تفاقم الأوضاع التي نعيشها، بالإعتماد على العمالة غير النظامية لتسيير محلاتهم، والاكتفاء بأخذ نسب من مكاسب أعمالهم، المشكلة من جانب آخر، حين تكدست أرتال النفايات في الشوارع، بعد عملية التصحيح، اتضح أن عمال النظافة الذين يعملون مع الشركات التي رست عليها مناقصات الأمانات لنظافة المدن غير نظاميين، ومن المؤكد أنها شركات متعاقدة بالباطن مع الشركات الكبرى الموقع معها عقود النظافة. الذين انتقدوا حركة تصحيح الأوضاع كانوا مخطئين، لأننا كما يبدو تأخرنا كثيرا فيها، وحتى لو اختلفنا بشأن التوقيت والآلية. إلا أنه كان ضروريا، وكان بمنزلة قنبلة موقوتة، وهو ما يجعلنا نفكر بشكل أفضل في بحث القضايا المتعلقة المهمة بشأن توطين الوظائف وتصحيح مفاصل كثيرة في أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، حيث لا يصح إلا الصحيح.