هل تستطيع ان تواجه نفسك بعيوبك؟ في الواقع ان الغالبية العظمى من البشر لا تفعل ذلك وانما تقوم بإلصاق أخطائها وزلاتها بالواقع والظروف وغير ذلك من الأسباب الواهية في حين ان عملا كهذا يعتبر محاولة للفرار من مواجهة الذات كما انه يعتبر سلوكا لا يمكن ان يؤدي الى الإصلاح والتقويم. ولعل الفيلسوف اليوناني (سقراط) كان يقصد بعبارته الشهيرة (اعرف نفسك) ان يحث كل انسان على السعي من اجل البحث عن نقائصه واخطائه , على اعتبار ان مواجهة الذات هي الخطوة الأولى للرجوع الى الصواب. ولأننا نؤمن بان الشباب هم عماد وبناة الغد وأن الغد الذي نرجوه جميلا ومشرقا لن يتحقق ما لم يتفهموا عيوبه ويتحدثوا عنها ويواجهونها , قرر (كل الدنيا) ان يمنحهم فرصة للصدق مع الذات ليواجهوا أخطاءهم ويتصورا والوسائل التي قد تساهم في اصلاحها. نحن جيل لا يقرأ كان مثيرا للدهشة ان جاءت آراء ابناء هذا الجيل في انفسهم على قدر من الحدة والقسوة لم نكن نتوقعه أنها (محاكمة قاسية) قضاتها هم متهموها تقول (ريم السيد) 23 سنة : ليس لدي شك في أن أبرز عيوب جيلي , هو انه (جيل لا يقرأ) وفي اعتقادي ان هذا العيب ليس مجرد عيب ولكنه آفة مخيفة أدت الى انسلاخ جيلي عن ثقافة امته والى كثير من الأزمات الاجتماعية التي تعترض مساعي لحاق الوطن العربي بركب المستقبل , ومهما حاول بعض الشباب اسقاط هذا العيب على ثورة الاتصالات وهيمنة وسائله المسموعة والمرئية وطغيانها على الكتاب , الا انني لا استطيع ان اوافق على ذلك , فالإنسان الذي يبني اواصر الصداقة فيما بينه وبين الكتاب الا يمكنه أن يتخلى عنه , لأن الكتاب كما قال المتنبي ( هو خير جليس في الأنام) وتضيف: أحببت القراءة منذ صغري ومع التحاقي بكلية الآداب قسم اللغة العربية أصبحت اكثر قراءة وإطلاعا بحكم تخصصي , واتمنى ان يحاول ابناء جيلي العودة للكتاب لأنهم يعيشون في عالم المعرفة والعلم الذي لا يفسح مكانا لجاهل أو متكاسل متكامل. ننتظر الصدف وتشاطرها (سارة العمودي) 21 سنة الرأي وتضيف: ان عدم اقبال هذا الجيل على القراءة وانصرافه عن الكتاب الى تمضية الفراغ فيما لا يجدي ولا ينفع , قد اصابه باعتلالات وسلبيات كثيرة من أبرزها العجز عن تحديد أهدافه المستقبلية ,.. ولكي أكون صادقة , أقول اني انتمي الى جيل مشتت بين أهدافه المتعددة يوزع جهوده على عدة محاور في اتجاهات شتى , ويتكاسل عن السعي وراءها منتظرا الصدفة السعيدة التي يظنها ستهبط عليه من تلقاء نفسها لتمكنه من تحقيق كافة احلامه , ولكنني اود ان أؤكد ان شيئا كهذا لا يمكن ان يحدث فالمطامح والأحلام الكبيرة لا تأتي الا ببذل الجهد والتضحيات وشحذ الهمة والعزم فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة , والأحلام الكبيرة تحتاج الى مكابدة وعناء كبيرين حتى تتحقق. لا نقدر المال اما 0محمد العبري 24 سنة فيتهم ابناء جيله بالتبذير والإسراف قائلا : ( اننا جيل لا نقدر المال حق قدره ولا يعمل لدنياه ومستقبله للاسف .. ولا أود ان يفهم من كلامي انني احكم على الشباب حكما يقوم على اسس مادية اقتصادية بحتة , ولكنني اعتقد ان خير الأمور هو الوسط , وانه لا يجوز ان يبسط الإنسان يده كل البسط فيبذر وينفق ذات اليمين وذات الشمال دون أن يفكر في الغد) ويقول ( الملحوظ على ابناء جيلي أنهم يبذرون ويبددون كل ما بحوزتهم من اموال من دون ادنى تفكير في الغد , فالذي يهمهم هو ارتداء افخر الملابس واقتناء الهواتف المتنقلة , والسيارات المفضلة اخر موديل دون ان يعملوا على استثمار ما بحوزتهم من اموال وطاقات من اجل تأمين المستقبل والغريب انهم مهما وقعوا في المشكلات المادية بسبب إسرافهم لا يتعظون ولا يقاومون رغباتهم القوية، في امتلاك العديد من الأشياء التي تعد من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها من دون أي ضرر، وأنا أظن أن الإعلانات الاستهلاكية التي تلاحقهم عبر كل وسائل الإعلام لها دور كبير في هذا الأمر.. قراراتنا مزاجية (( ان جيلي لا يصغي لأهل الخبرة)).. هكذا تحدثت (حياة عبد العزيز) 25 سنة وأضافت قائلة: " الشباب لا يستشيرون أحداً في أمور حياتهم ولكنهم يتخذون قراراتهم حسب الأهواء وبتعجل ومن دون تفكير.. وهم ينظرون إلى جيل الآباء نظرة غير لائقة بدعوى أنهم متأخرون عن إيقاع الحياة العصري،وذلك على الرغم من أن الآباء، نظراً لخبرتهم الطويلة بالحياة، يتمتعون ولا شك بنظرة ثاقبة للكثير من الأمور، وأرى أن عيباً سيئاً كهذا العيب يتطلب تفكيراً موضوعياً من أجل مجابهته والقضاء عليه. ولعل هذا العبء يجب أن يضطلع به الآباء، إذ أن تقربهم إلى أبنائهم وسعيهم الدائم للحوار معهم سيمد جسور الثقة فيما بينهم وسيذيب الحاجز الذي يحول بين الأبناء وبين التعبير عن أنفسهم أمام آبائهم.. وأعتقد أن هذه العلاقة الصحيحة ستؤدي شيئاً فشيئاً إلي التغلب على هذا العيب". مقلدون أما (س. الراجح) 25 سنة فتعتقد أن العيب المحوري لجيلها هو التقليد، وتقول: " جيلي جيل انطباعي يحكم على الأمور من ظواهرها ولا يسعى إلى استخلاص الحكم والوصول إلى بواطن الأشياء. فمثلاً قضية تقليد الغرب، قضية طالما تطرق إليها الإعلام وناقشها وحث الشباب على عدم الانسياق وراء البدع التي لا تمت لمجتمعنا بصلة.. ولكن الشباب لم يتراجع عن ذلك.. ولو كان الشباب يقلدون الغربيين في الإيجابيات التي يتمتعون بها كالتفكير العملي والنظام والاعتماد على النفس في سن مبكرة وما إلى ذلك من أشياء صنعت الحضارة والنهضة الكبيرة في الغرب، لكان هذا التقليد مفيداً، لكنهم لا يقلدون إلا طريقة الملبس والسهر والحفلات.. للأسف ان معظم أبناء جيلي يهتمون بالمظهر.. ولابد من تغيير هذا الأمر، لأنهم لو ظلوا على هذا الحال فإن المستقبل لن يكون مبشراً بأي خير!!.." اما (لينا) 22 عاما فترفض اتهام الجيل بالسلبية وترفض ايضا ان تنظر له الاجيال السابقة نظرة استخفاف وتقول : لا اقبل معظم الاتهامات التي يلصقونها بجيلي، فنحن نمثل جيلا ككل الاجيال السابقة له عيوبه ولكنه لا يخلو من المحاسن .. واننا بهذه العيوب والمحاسن نعتبر نتاج مرحلة تاريخية واجتماعية واقتصادية نعيش فيها .. ولكني اود ان اتساءل : ألسنا جيلا مظلوما؟؟ وتضيف : " بلى ! فنحن جيل مظلوم ومسكين يعيش في عالم تتصاعد فيه مؤشرات الغلاء والبطالة ونسب التلوث والامراض، وفي ظل كل هذه الامور لابد ان نعاني احباطات عنيفة وقاسية . هذا بالاضافة الى ان الاباء لا يفعلون شيئا من اجلنا، فهم لا يصغون لمشكلاتنا اعتقاداً منهم انها سطحية وتافهة، على حين ان ما قد يبدو تافهاً بالنسبة للبعض فانه قد يمثل شيئاً مهماً جداً بالنسبة للبعض الاخر " .. رأي الطب النفسي اخيراً .. وبعد ان انتهى الشباب من محاكمة انفسهم التقينا بالدكتورة ( رانيا فيظي) استشارية الطب النفسي في عيادتها الخاصة، فحدثتنا عن اهمية قيام الانسان بمواجهة عيوبه بنفسه قائلة : على الرغم من ان مواجهة النفس بالعيوب تعتبر عملية شديدة الايلام للنفس البشرية الا انها تؤدي على المدى الطويل الى ايجابيات متعددة .. ولعلنا ندرك جميعاً ان الاسلام يحث دائماً على قول الحق ولو كان على حساب قائله .. ومن هذا المنطلق فان عملية محاكمة النفس عملية مفيدة من منظور علم النفس، ومطلوبة من منظور الدين ايضا .. ولقد اكدت الدراسات النفسية سابقاً ان الهروب من مواجهة الذات يسبب آلاما واضراراً نفسية لا يستطيع الانسان الاستمرار في تحملها . ولعل هذه الآلام هي التي تفسر قيام العديد من محترفي الاجرام بالذهاب الى الجهات المختصة والاعتراف لديهم بجرائمهم من تلقاء انفسهم .. والمعروف انه لا يوجد انسان اياً كان بمنأى عن الخطأ، ف " كل انسان خطاء " ولكن خير الخطائين هم الذين يتوبون ويرجعون عن الخطأ .. ومما لا جدال فيه ان الاعتراف بالخطأ يعتبر نمطاً صريحاً من انماط التوبة وأود أن أشير هنا إلى أن عملية إلصاق الأخطاء التي يقع فيها الإنسان بالظروف أو الحياة والآخرين عملية تعبر عن خلل ما بشخصية الذي يقوم بها أما الذين يواجهون أخطاءهم فهم رغم قلتهم أكثر صحة وسلامة نفسيا. ولكي نكون صادقين مع أنفسنا يجب أن نعترف بأن المجتمع العربي لا يعمل على تنمية استعدادات أبنائه للتعبير عن أنفسهم, ذلك لأن الآباء لا يفتحون صدورهم للأبناء ولا يتيحوا لهم المجال ليعبروا عن أنفسهم, كما أنهم يتبعون سياسة العقاب البدني وهو الأمر الذي يرغم الأبناء في كثير من الأحيان على قمع أفكارهم وكبت حاجاتهم وهذا يؤدي بدوره إلى العديد من الاعتلالات (النفسية - الجسمية ) فمثلا إذا جاء طفل إلى أبيه ليعترف بأنه أخطأ في حق معلمه في المدرسة أو في حق أحد زملائه فإن الأب غالبا ما يقوم بضرب الطفل وهذا يجعل الطفل يحجم عن القيام بمثل هذا العمل مرة أخرى خشية من العقاب ولكن التصرف السليم هو أن يقوم الأبن بتهدئة الطفل والتحدث معه حول الطريقة التي يمكن من خلالها علاج الخطأ وذلك حتى يساعده على تنمية قدراته على مواجهة المواقف الصعبة وتحمل المسئولية ومن ثم يستطيع الأطفال فيما بعد أن يصبحوا أفرادا يعتمد عليهم في مجتمعاتهم.