لما كان قدر هذه البلاد وحكومتها وشعبها ان تحتضن اشرف بقعة واقدس مكان كعبة الله، قبلة المسلمين المسجد الحرام ومسجد رسوله عليه افضل الصلاة والسلام فكان من اوجب الوجوب أن تضطلع بشرف خدمة الوافدين والقاصدين لأداء فريضة الحج والعمرة والاهتمام بهم ورعايتهم . ومنذ أن من الله على الملك عبدالعزيز رحمه الله بتولي الحكم في هذه الديار المقدسة كان الاهتمام ينصب على تنظيم الحج وتوفير المناخ الصحي للحجاج وتنقية الأجواء الأمنية وتيسير السبل التي تكفل لهم أداء الفريضة في راحة وأمن واطمئنان . كما ان المشروعات الإنمائية الاقتصادية والتخطيط للرقي بالخدمات التي تقدم لضيوف الرحمن مستمرة ولم تنقطع واعتبر ذلك النهج أمانة تسلمها من جاء بعده في سدة الحكم فأقيمت مشروعات عديدة لخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وأقيمت الطرق والمواصلات ومشروعات عمرانية وصحية ضخمة في عهد الملك سعود والملك فيصل ثم الملك خالد رحمهم الله جميعاً . وسار على نهجهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين وحرصهما على تكملة المسيرة الخيرة فعملا على توسعه المسجدين الشريفين والمشاعر المقدسة وأولى جل اهتمامه بالحركة العمرانية والإنشائية وطاقاتها الاستيعابية لمواجهة ازدياد أعداد الحجاج وكان لشبكة الطرق الداخلية والكباري والانفاق وتنظيمها النصيب الأكبر من العناية والتنفيذ ودعم أسطول النقل الجوي الذي ينقل الحجاج من خارج المملكة وداخلها . تطوير منى وأخذت مشروعات المشاعر المقدسة نصيبها الأوفر من الاهتمام وفي مقدمتها مشروع تطوير منى ثم مشروع الخيام المقاومة للحريق ولاقت الكوادر والقوى البشرية العاملة في الحج الاهتمام الأكبر . وحرص المسؤولون على توثيق العلاقات والروابط الإنسانية بينهم وبين الحجاج ومن يقوم بخدمتهم وقد اعتادوا السهر على راحتهم وتفقد أحوالهم ومن هنا كان الاختيار الأروع حيث اختيرت مكةالمكرمة البقعة المقدسة عاصمة للثقافة الإسلامية وكيف لا .. ومنها انطلق نور الإيمان إلى أرجاء الدنيا يحمل الحب والخير والسلام والعدل . توسعة المسجد الحرام وحرصاً على راحة ضيوف الرحمن والمعتمرين كان الاهتمام بالمسجد الحرام والعناية به في قمة أولويات الدولة الرشيدة حيث حظي منذ عهد الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه بذلك الاهتمام والعناية عندما اصدر رحمه الله أمراً ملكياً بترميم المسجد الحرام عام 1344ه ورصف شارع المسعى بالحجارة المربعة لمنع الغبار عن الحجاج والمعتمرين والمصلين اثناء السعي . كما أمر بإصلاح أبواب المسجد الحرام وعمل المظلات للاروقة وسار على نهجه أبناؤه البررة حيث اتسعت مساحة الحرم المكي الشريف أضعافا مضاعفة فيما يسمى بالتوسعة السعودية الأولى والتي بلغت 152 ألفا و200 متر مربع تستوعب 415 ألفا و555 مصليا وجاءت توسعة الملك فهد بن عبدالعزيز وهي اكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام حيث تبلغ المساحة الإجمالية للتوسعة 76 ألف متر مربع وتتكون من بدروم سفلي وآخر علوي ودور ارضي ودور أول كما تشمل ثمانية عشر مدخلاً .. وبوابة رئيسية أطلق عليها اسم بوابة الملك فهد وتضمنت التوسعة إقامة مئذنتين مشابهتين للمآذن الموجودة من السابق في المسجد الحرام . وتسهيلاً لوصول المصلين خاصة كبار السن والعجزة إلى الدور الأول والسطح فقد اشتملت التوسعة على سلالم كهربائية متحركة وثلاث قباب تسمح بتجدد التيارات الهوائية ولإضفاء المزيد من الأجواء الروحانية وممرين لتسهيل دخول وخروج المصلين . وروعي في تنفيذ التوسعة تميزها من حيث التصميم وان تكون مترابطة وفي نسق بديع مع المباني العامة للمسجد الحرام واتصال ساحتها الخارجية بالساحتين السابقتين من الجهتين الغربية والجنوبية للمسجد الحرام . وبتنفيذ التوسعة الجديدة (توسعة الملك فهد للمسجد الحرام) أصبحت المساحة الإجمالية للحرم المكي الشريف بما في ذلك الساحات الخارجية المخصصة للصلاة 356 ألف متر مربع تستوعب ما يزيد على 770 ألف مصل قابلة للمضاعفة في أوقات الذروة كما اصبح مجموع مداخل المسجد الحرام 45 مدخلاً وعدد مآذنه 9 مآذن وتوافرت سبعة سلالم كهربائية متحركة إضافة إلى السلالم العادية . وفي لمحة سريعة عن بعض مزايا التوسعة الشاملة للمسجد الحرام فمن المناسب الإشارة إلى ما اشتمل عليه مشروع خادم الحرمين الشريفين من تسوية وتوسعة للساحات المحيطة بالمسجد الحرام وتجهيزها بما هو مناسب لأداء الصلوات بها حيث تم نزع ملكية العقارات التي كانت قائمة في هذه الجهات وإزالتها وضم مواقعها إلى الساحات السابقة المحيطة بالمسجد الحرام والعمل على تبليطها بالبلاط الفاخر وإضاءتها بأبراج الإنارة العالية وتزويدها بمكبرات الصوت ومياه زمزم المبردة وتزيد المساحة الإجمالية لهذه الساحات على 40 ألف متر مربع وتستوعب اكثر من 65 ألف مصل في الأيام العادية وضعفهم في أيام الذروة . وتضمن المشروع تنفيذ آلاف من وحدات دورات المياه التي تم انشاؤها تحت سطح الأرض وتزويدها بسلالم كهربائية وعادية لتسهيل ارتيادها وتوفير هذه الخدمة الضرورية لقاصدي المسجد الحرام خاصة في مواسم الحج وشهر رمضان المبارك . تاريخ مكةالمكرمة لم تكن مكةالمكرمة عند قدوم خليل الرحمن عليه السلام إليها قبل ثلاثة الاف وخمسمائة عام سوى بقعة من الأرض تفتقد كل العناصر الأولية الضرورية لحياة البشر يدل على هذا الوصف دعاؤه عليه السلام كما جاء على لسان الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (رب اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة) ومع هذا فقد استطاعت مكةالمكرمة ومن خلال وظيفتها الدينية وبما لها من الجلال والقدسية أن تستقطب شتى الأمم من مشارق الأرض ومغاربها ليعمروا بلد الله الحرام رغم افتقاره إلى أهم مقومات المدينة النموذجية . وعلى الرغم من المدى الطويل من تاريخ وجود مكةالمكرمة كمدينة مهمة معمورة فإنها لم تكن يوم دخلها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1345ه غير مدينة صغيرة لا تزيد مساحتها على 5 كيلو مترات مربعة ولا يزيد عدد سكانها على 50 ألف نسمة يعيشون ضمن 12 حيا شعبيا صغيرا . ولكن نتيجة للجهود الكبيرة والطموحات الهائلة التي انعم الله بها على بلادنا الغالية ولما للبلد الأمين من مكانة سامية في ضمير القيادة الرشيدة وعقلها فقد كان لمكةالمكرمة نصيب الأسد مما بذلته القيادة الحكيمة منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى عهد خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله من الانفاقات السخية والعناية القصوى والاهتمام البالغ من انشاء المشروعات الحيوية وكل عمل نهضوي يهدف إلى الارتقاء بالرحاب الطاهرة وتطورها وتوفير كل ما يحتاجه سكانها والوافدون إليها من أنواع الخدمات والمرافق العامة ويكفي للدلالة على حجم الجهود المتواصلة والانفاقات الهائلة الخاصة بالجوانب المتعلقة بخدمات الحج والحجيج ان إجمالي تكاليف المشروعات الحيوية في المشاعر المقدسة وانشاء الطرق الدائرية في مكةالمكرمة قد زادت على سبعة مليارات ريال وساهمت هذه المشروعات في فك الاختناقات المرورية وتأمين وسائل النقل المريحة والطرق الآمنة وتيسير سبل التنقل بين مكة والمشاعر المقدسة في موسم الحج بأعلى مستويات الراحة والطمأنينة والخدمات الميسرة . إن مكةالمكرمة التي كانت مدينة صغيرة قبل قرابة 70 عاماً أصبحت اليوم مدينة كبرى يسكنها قرابة مليون و200 ألف نسمة في الأيام العادية ويرتفع العدد إلى حوالي ثلاثة ملايين نسمة خلال موسم الحج ولعل هذا هو من ابرز الشواهد على مقدار ما أولته الدولة من اهتمام بنهضة البلد الأمين وتطوره منذ بداية تأسيس المملكة على يد جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله حتى تكون مكةالمكرمة في طليعة مدن المملكة والعالم تخطيطاً وتنظيما . كل الطرق تؤدي إلى الحرم وانطلاقا من اهتمام وعناية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين بمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة ورعايته الكريمة لكل ما يشهده البلد الأمين من نهضة حضارية عملاقة فقد تم إنشاء 44 نفقاً للسيارات تربط بين منطقة المسجد الحرام ومشعر منى من جهة وبين عامة أحياء أم القرى من جهة أخرى وتشكل في مجموعها العصب الرئيسي لشبكة الطرق الحديثة في مكةالمكرمة . وتتكون شبكة إنفاق السيارات في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة من 44 نفقا يبلغ مجموع أطوالها بالإضافة إلى أطوال أنفاق المشاة العشرة حوالي 30 ألف متر وبعروض تتراوح بين 11 15 مترا وبلغ مجموع تكاليف تنفيذ هذه الأنفاق 3 مليارات و174 مليونا و249 ألفا و543 ريالاً . وخدمة لضيوف الرحمن والمعتمرين والزوار روعي في إنشاء هذه الانفاق أن تكون محاور رئيسية تسهل الحركة المرورية في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة . خادم الحرمين الشريفين ورعاية الحجيج وأولت حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين جل اهتمامها للعناية بشؤون الحج ورعاية الحجاج وقد نص النظام الأساسي للحكم في المملكة الصادر عام 1414ه على التزام الدولة بمسؤولية خدمة الحرمين الشريفين ورعاية الحجاج وبان تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة وتمثل رعاية المقدسات الإسلامية وخدمة قاصديها أولوية أساسية ومميزة في سياسة الدولة العليا بالمملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله حيث أولت هذا الجانب عناية واهتماما بالغين من منطلق خصوصية المكان بأن جعل الله سبحانه وتعالى هذه البلاد مهبطاً للوحي ومنطلقاً للرسالة الإسلامية وموضعا لبيته العتيق ومسجد رسوله عليه الصلاة والسلام. حرص مضاعف وقد أكد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين أن خدمة بيت الله الحرام وحجاجه وزواره وضعت أمام أعيننا وجعلناها مقدمة على كل عمل لدينا وقد حرصنا كل الحرص على توسعة الحرمين الشريفين وتوفير المتطلبات الحديثة لهما حيث تمت تهيئة المستلزمات الضرورية من طرق وغيرها لهذه المشاعر ومن كل تلك المنطلقات وضعت الدولة لجنة عليا للحج تحت إشراف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز رئيس لجنة الحج العليا ووزير الداخلية من أجل رعاية الحجاج لأداء مناسكهم في يسر وأمن واطمئنان دون أن يعكر صفوهم شيء. وفي هذا الصدد شدد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز رئيس لجنة الحج العليا على الشرف الذي حبا الله سبحانه وتعالى به هذه البلاد لخدمة حجاج بيت الله الحرام من جميع أنحاء العالم برعايتهم وتقديم كل الخدمات التي تيسر أداء مناسكهم بكل أمن واطمئنان. وتقوم لجنة الحج العليا بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بالحج بتقديم كافة الخدمات من أجل نجاح موسم حج كل عام. ويعقد صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية اجتماعات متوالية للجنة طوال العام لبحث الترتيبات والتنظيمات التي تكفل للحجاج أداء نسكهم في يسر وسهولة, ويقول سموه في هذا الشأن ان الله سبحانه وتعالى حبا هذه البلاد المقدسة بشرف عظيم إذ جعلها خير بقاع الأرض واختصها بنزول الوحي ووجود البيت العتيق والمشاعر الإسلامية العديدة وهو شرف بالغ لا مثيل له في الدنيا. وقد أشارت إحصائيات وزارة التخطيط الى أن المنصرف الفعلي على خدمات ومشروعات الحج بلغ 53 ألف مليون ريال في خلال خمسة وعشرين عاما من عام 1390ه إلى 1415ه بمعدل إنفاق سنوي 2120 مليون ريال بمتوسط تكلفة لكل حاج سنويا بما يقارب 3600 ريال وهو ما يعادل الف دولار. أجهزة الدولة في الخدمة وتضطلع سائر أجهزة الدولة في المملكة بأدوار محددة فيما يتعلق بالتخطيط والإعداد والتنفيذ والرقابة والإشراف على تقديم خدمات متعددة لحجاج بيت الله الحرام. ومع اقتراب موسم الحج تتصاعد وتيرة استعدادات كافة أجهزة الدولة ويخصص مجلس الوزراء جانبا من جلساته الأسبوعية لاستعراض ومناقشة استعدادات الأجهزة الحكومية وتحظى بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ببذل أقصى الجهود وحشد كل الإمكانات لخدمة ضيوف الرحمن.