يطلق الانجليز على رئيس وزرائهم توني بلير، اعظم سفير للولايات المتحدة في البلاط الملكي البريطاني بعد ان اخذ ينفذ الاوامر الصادرة له من البيت الأبيض بدقة متناهية في داخل الوطن وفي علاقاته الدولية مع مختلف الدول، حتى أصبح مكتبه بمقره الرسمي في لندن (10 دوانينج ستريت) المكتب السياسي الأوربي بوزارة الخارجية الأمريكية. يصدر هذا القول من الشعب البريطاني ليس للتندر فقط بالأدوار التي يقوم بها توني بلير من لندن في خدمة واشنطن وانما للمرارة الشديدة أيضا النابعة من الاحساس بالاهانة البالغة من تصرفات رئيس الوزارة توني بلير التي تفضل مصالح أمريكا على مصالح بريطانيا، بالتأييد الأعمى لتوجهات واشنطن المؤيدة للعدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني والداعمة للغزو الامريكي للعراق الرامي الى الاطاحة بحاكمه صدام حسين دون اي اعتبار لارادة الجماهير الشعبية البريطانية التي تعارض الحكومة في داخل البرمان، مجلس العموم، وفي الشارع بالرأي العام المضاد لها من خلال ما تنشره الصحف على مختلف مشاربها السياسية، ومن خلال المناقشات بين المثقفين في كافة الأوساط الشعبية، التي تصل الى ان بريطانيا تضع نفسها بدون وعي سياسي في المنزلق الامريكي الذي يحولها من الديمقراطية الى الديكتاتورية بالتطاول على الشرعية الدستورية. بادر البرلمان الى ممارسة دوره السياسي في معارضة الحكومة على سياستها المؤيدة لاسرائيل باستضافة اكبر حاخامات اليهود في بريطانيا الذي اعلن من على منبر مجلس العموم بأن سياسة اسرائيل الرامية الى ابادة الشعب الفلسطيني محرمة في الشريعة اليهودية التي تحرم القتل وتؤثم به تل ابيب وكل الدول التي تشاركها في هذا الوزر بدعم سياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وعن غزو العراق اعلن مجلس العموم، والرأي العام البريطاني في العديد من بياناتهما بأن الذهاب الى حرب العراق يحتاج الى قرار من مجلس الأمن يعبر عن هذه الارادة الدولية التي تقرر حتمية محاربته بعد ادانته بالامتناع عن الخضوع للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل بواسطة رجال الأممالمتحدة، اما وقد قبل بالتفتيش فان ذلك يحجب عنه الغزو الذي تطالب به امريكا وتنساق وراءه بريطانيا وتؤيده اسرائيل، وهذه الدول الثلاث بدوافعها المختلفة، تقف في وجه التيار الدولي الرافض لغزو العراق او تبديل الحكم القائم به، على الرغم من عدم ثقة العالم في صدام حسين لسوء استخدام سلطاته طوال مراحل حكمه بالجور على الشعب العراقي، وبالتطاول على جيرانه وبالخروج على أحكام القانون الدولي العام والخاص في علاقاته مع مختلف الدول حتى أصبح التعامل مع العراق في الداخل والخارج محفوفا بكثير من المخاطر على السلام الاقليمي والدولي. التيار الدولي العام المعارض للغزو الامريكي الذي تقوده فرنسا والمانيا يستند الى القناعة بأن الاضرار المترتبة على هذا الغزو للاطاحة بصدام حسين تفوق كثيرا الوضع القائم الآن في بغداد، لما فيه من خروج على الشرعية القانونية ويؤدي الخروج عليها الى تكرار ما تفعله مع العراق على غيرها من الدول التي تتصادم مصالحها مع الولاياتالمتحدةالامريكية ليس ضد (دول الشر) وحدها التي حددتها واشنطن وانما ضد العالم بأسره، بعد ان نصبت امريكا نفسها حاكما على العالم في مشارق الأرض ومغاربها، فيأتي تدخلها في شكل الغزو العسكري السافر كما فعلت مع افغانستان وتخطط لتكراره اليوم مع العراق تحت مظلة محاربة الارهاب، واما في شكل بسط نفوذها على الدول بما فيها دول الوحدة الأوروبية بحجة حتمية مشاركتها في محاربة الارهاب، وهذا المسلك الامريكي في صورته العسكرية والسياسية يقلق اوروبا ويفزع العالم، فأخذت اوروبا بدعم من العالم تتصدى لأمريكا باستثناء بريطانيا التي انشطر دورها بالموقف الرسمي المنساق مع امريكا وبدورها الشعبي المتعاطف مع اوروبا. اتضح هذا الانشطار في الرأي البريطاني من الموقفين المتناقضين الذي يفصل الحكومة عن الشعب بكل ما يترتب على ذلك من اخطار على الديمقراطية البريطانية التي اتضحت من اعلان الحكومة على لسان رئيس الوزراء توني بلير بأن هنالك من الوثائق التي تدين العراق بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل الذي يفرض الوقوف مع امريكا لمحاربته والاطاحة بالنظام القائم في بغداد لحماية الأسرة الدولية من الخطر العراقي ويعترض على هذا القول قادة الرأي العام واعضاء مجلس العموم برفضهم الانصياع مع أمريكا في محاربة العراق ويقررون بأن التخلص من ادارات الحكم القائم في بغداد هي مسؤولية الشعب العراقي وقبول بريطانيا المشاركة في التدخل العسكري ضده يخرجها من تقاليدها الديمقراطية ويدخلها في براثن الديكتاتورية التي اتضحت معالمها من انفراد الحكومة بالرأي دون موافقة الشعب.