في البدء كانت ماشطة فلما كفرت بجمال الطبيعة صارت كوافيرة، أما زبوناتها فيأتينها كتماثيل متاحف شمع يدخلن شاحبات ويخرجن بوجوه غير التي دخلن بها، ولولا أنهن بمتناول يدها والا لاضطرت لوضع معارج لتُزينَ وجوههن، كما تُزَيّن واجهة أي عمارة يُراد تبييضها، ما يُعمل لوجه المرأة لا يختلف كثيراً عما يقوم به أي مقاول في أعمال التشطيب ؟! في وجه المرأة يوضع مُخفي العيوب لطمس الندوب والبثور والحبوب الناتئة، وفي تبييض المباني يوضع الاسمنت لإخفاء التجاويف والتثلمات وعيوب صف الحجارة الاسمنتية، ومن ثم يوضع المعجون الأبيض لجعل الاسمنت أكثر نعومة، ولاحقاً يُدهن وجه العمارة بالأصباغ المطلوبة، وذات الشيء تفعله الكوافيرة لمن تجملهن من النساء، فبعد وضع مُخفي العيوب تضع كريم الأساس، ثم بودرة الأساس، ومن ثم مُوحِّد اللون، وأخيراً درجة لون المكياج المطلوبة، أما ما تُلوَّن به الشفتان، وتُطلى به الأجفان، فشبيه بما تُطلى به إطارات النوافذ والأبواب، وإذا كان المنزل مُحتاجاً لأعمال صيانة وترميم بعد سكناه بعشر أو خمس عشرة سنة فصيانته أشبه بعمليات التجميل التي تعملها النساء إذا شارفن على الكهولة، وما يُعمل للمنزل من توسيع وتضييق بعض مرافقه شبيه بعمليات النفخ والشفط التي تجريها المرأة لأماكن معينة من جسدها، أما عمليات شد الوجه المُتغضن وإزالة ترهلات البشرة المتشققة فشبيه بتلييس الواجهات المتهتكة، والحيطان المتصدعة، ليظهر المنزل كما لو كان جديداً، وكذا جلي البلاط والرخام الذي لا يختلف كثيراً عن صنفرة الوجه التي تُعمل للمتجملة، وفي كل الأحوال ما تُخضِعُ له المرأة جسدها يفوق ما يُعمل لأي منزل خاضع لتشطيب أو ترميم أو تجميل ! نحن حين نسرف في مطالبة المرأة بالتجمل المبالغ فيه، وحين تشعرُ هي بعدالة مطلبنا وتستجيب له، فكأننا وإن لم نفصح نتفق على كون المرأة كائنا ناقصا أو مُشّوها، ومُحتاجا لكل أعمال وعمليات التجميل التي تُخضع جسدها لها المرأة من حيث لا تشعر تمتهن جسدها كما لو كانت تمثالاً أو لعبةً يُشكلها الرجل كما يشاء، هوسه باشباع غرائزه من خلالها جعله يلونها ويعبث بها كما لو كانت لعبة يتلهى بها، والمرأة ليست بكل هذا القبح لنُفرغ عليها كل تلك الأصباغ، والألوان، والمستحضرات المستخلصة من مواد كيميائية لابد وأن تترك أثرها السيئ على بشرتها، والأسوأ حين تصر على وضعها، لترضي الرجل وتشبع غرائزه، رغم أنها ليست مضطرة، وإن كانت أحياناً شبه مكرهه حتى لا يصرف نظره لسواها، وسواء شاءت أم لم تشأ فهي وحدها من تدفع الثمن، وليس الرجل الذي تتجمل له، أو تحاول إثارة إعجابه. أشهر مصممي الأزياء رجال، فهل تعلم هي أن الرجل هو من زين لها انتعال الكعب العالي وهو من زين لها العبث بجسدها باسم عمليات التجميل، فإن نجحت غنم الصيت والمال، وإن أخفق دفعت هي الثمن تشوهاً وحسرة وألماً؟! هل سمعتم قط عن طبيبات تجميل.. ربما ولكن الغالبية من الرجال، ونحن حين نسرف في مطالبة المرأة بالتجمل المبالغ فيه، وحين تشعرُ هي بعدالة مطلبنا وتستجيب له، فكأننا وإن لم نفصح نتفق على كون المرأة كائنا ناقصا أو مُشّوها، ومُحتاجا لكل أعمال وعمليات التجميل التي تُخضع جسدها لها، رغم أن عمليات التجميل كانت في الأصل أحد العلاجات الموصوفة لأناس مشوهين، قبل أن تُستغل للاتجار بها، وقبل أن تستغلها الآلة الإعلامية في السينما والتلفزيون فيكون لها دور حاسم في تكريس معايير الجمال الأنثوي العابث، حتى باتت النحافة المرضية رشاقة، والهزال الذي يشف عن عظام الجسد مطلباً، وقصات الشعر القصيرة التي تباعد بين المتجملة وأنوثتها والمرأة في الغالب تصدق هذا وتؤمن به، وتفعله مسايرة للأخريات، أو إرضاء للرجل ولفتاً لانتباهه ! كثيرات هن اللاتي استسلمن لعمليات التنحيف كشفط الدهون، أو تدبيس المعدة، أو انحراف مجرى الطعام، والنتيجة هُنّ من دفعن الثمن غالياً، وهُنّ من تشوهنّ حين جعلت بعض هذه العمليات بعضهن كليمونات معصورة، بلا طعم، أو لون، أو رائحة، الرشاقة المعقولة مطلوبة، وبعض الأزواج راضون عن زوجاتهم، ولكن المصيبة أن بعض الزوجات غير راضيات عن أنفسهن، فمتى تفهم المرأة أنها ليست سلعة، ليست لعبة، ليست حقل تجارب لمشارط أطباء التجميل ونزوات الرجال ؟! twitter: @almol7m