كنت في طريق العودة من الأحساء إلى الدمام بعد أن حضرت حفل زواج لأقارب. كانت الساعة في حدود الحادية عشرة مساء الأربعاء، وسلكنا الطريق من جنوبالهفوف إلى خط الرياض ثم أخذنا تفريعة الدمام. تلك الصحراء آسرة، فأنت تعبر منطقة رئيسية من مناطق استخراج النفط، فما تلبث أن تشاهد الآبار الواحدة تلو الاخرى، ولا يمكن لأحد أن يخطئها حيث تجد «الرق» منتصباً والأنوار الكاشفة شديدة الاضاءة مسلطة. هذه أشبه بخلايا نحل تعمل على مدار الساعة لننعم كبلد وكمجتمع. بعد أن تجاوزنا هذه الآبار بكيلومترات صادفتنا جمهرة ضخمة من السيارات والشباب موزعة على جانبي الطريق السريع، عندما أقتربنا بالسيارة أكثر اكتشفنا أنه تجمع «مفحطين»، يجمعهم قدر هائل من الحماسة. شعرت بعدم الاطمئنان، فليس هناك أي مؤشر متى يقرر أحدهم أو أكثر بدء الاستعراض؛ استعراض السباق والسرعة أو استعراض لعل الحل هو تخصيص أماكن وتجهيزها ليجتمع فيها المفحطون، شريطة وضع تنظيم محدد لمن يستطيع أن يشارك، وبالقطع فإن تسهيلات من هذا النوع ستتخذ فيها كل وسائل السلامة تحت إشراف السلطات المختصة التفحيط والتنطيط، والموت لا سمح الله. كان المشهد مروعاً، ماذا تفعل مئات السيارات هنا؟ ولِم يترك هذا الجزء (نحو كيلومتر) من الطريق السريع للمفحطين؟ لن أعيدّ ما أصبح مكروراً بخصوص التفحيط ومخاطره، فقد قيل كل ما يمكن أن يقال. لكني أوجز بسؤال: لماذا يُترك المفحطون يستأثرون بجزء من طريق حيوي هكذا، سواء خارج المدن كما ذكرت للتو أو حتى داخل الأحياء في المدن؟ السؤال بحاجة لمعالجة جذرية، فالمعاناة مع المفحطين في بعض أحياء الدمام تكاد تكون أزلية، ففي اليوم التالي (الخميس) شاهدت في موقع في قلب الدمام تجمعاً كبيراً لهم والدوريات تسعى لتفريقهم والتعامل معهم. رغم أن جهوداً مضنية بذلت للتعامل مع هذا الموقع بالذات؛ منها أن الأمانة قامت بتقسيم الشارع لمسارين وجزيرة بينهما، ومع ذلك فمازال كل من المسارين عريضا بما يكفي لممارسة المفحطين لأنشطتهم. ما الحل؟ لا يمكن ترك هؤلاء يفحطون في الشوارع، فذلك يعرض الأبرياء للخطر، ويؤثر على الانضباط وهيبة القانون والنظام. لعل الحل هو تخصيص أماكن وتجهيزها ليجتمع فيها المفحطون، شريطة وضع تنظيم محدد لمن يستطيع أن يشارك، وبالقطع فإن تسهيلات من هذا النوع ستتخذ فيها كل وسائل السلامة تحت إشراف السلطات المختصة. وباعتبار أن نقاط تجمع المفحطين معروفة على وجه التحديد، فالدوريات تداهمها أحياناً وأحياناً أخرى بناء على شكوى من الأهالي، السؤال: لماذا لا نستخدم المرور الطائر ليراقب نقاط التجمع والتعامل معها أولاً بأول قبل أن تستفحل الجموع؟ بالتأكيد، ليست بلادنا الوحيدة التي تعاني من هذه الظاهرة، لكن كيف تتعامل بلدان العالم معها؟ لا أقترح أسلوباً معيناً، فكل ما يهم هو الحفاظ على الأرواح والأموال ومنع تجاوز النظام، والخيارات لتحقيق ذلك متعددة، وللمفاضلة بين تلك الخيارات فلا مفر من اللجوء للخيارات الايجابية التي تتعامل مع الهوايات حتى الخطر منها تحت نظر القانون. ihsanbuhulaiga@ تويتر