بعد رحيل الناقد الكبير د. عبد القادر القط اصبح منصب رئيس لجنة الشعر في المجلس الاعلى للثقافة في مصر شاغراً ولم يكن غريباً ان يقع الاختيار على د. احمد كمال زكي ليصبح خليفة الراحل الكبير، فكلاهما - القط وزكي - من تلاميذ الشيخ امين الخولي الذي كان يمثل بمفرده ظاهرة في الثقافة المصرية في النصف الاول من القرن العشرين، كما انهما يشتركان في نفس المفارقة وهي كتابة الشعر فترة قصيرة ثم الانخراط في العمل الاكاديمي الصارم والنشاط النقدي المتحفظ. @ يتخوف الشعراء الشبان الذين يمارسون كتابة قصيدة النثر من ان تتبنى نفس النهج المتشدد الذي كان يتبناه د. القط ازاءهم؟ * ليس صحيحاً ان نهجاً متشدداً كان يمارس ضد هؤلاء، فليست هناك خصومة شخصية او "ثأر" بين الناقد المبدع، وكل ما في الامر ان الشعراء الشبان يحبون "الاستسهال" ولم يوفوا قصيدة النثر حقها من حيث الاستيعاب والفهم الحق. لقد كتب بودلير وغيره من الرواد الفرنسيين نماذج هذه القصيدة وكانت نصوصهم تضج بالخيال والرهافة والمجاز والصور الشعرية شديدة الحيوية. اما ما يكتب تحت لافتة شعر الحداثة في ثقافتنا العربية فليست له علاقة بالشعر ولا سيما مقولة "قصيدة النثر" التي تفتقد الى الحد الادنى من معايير توصيف الشعر بأنه شعر. @ ولكن هذا يغضب جيلاً كاملاً من شباب الشعراء العرب فمن سيتهمونكم بالرجعية والانحياز الى الماضي؟ * لا أبالي ما دمت اعتقد انني على حق، وليس هذا هو اتجاهي الوحيد، ان الشكوى عامة مريرة من شيوع اتجاهات الغموض والكتابة السردية الجافة ، والالفاظ التي تجافي الذوق العام في هذه القصائد. واذا نظرنا الى كم الدواوين التي تخرجها المطابع يومياً، ستدرك اننا امام غثاء كغثاء السيل، فقصيدة النثر لا تفتقر الى الوزن فقط - رغم اهميته القصوى حتى انني لا اعترف بشعر يفتقد للوزن - ولكنها ايضاً تفتقر الى الحد الادنى من سلامة البناء اللغوي. @ يتهم البعض لجنة الشعراء بانها غير فعالة في الحياة الثقافية المصرية؟ * هناك انشطة جيدة ولا أحد يعلم بها، فاللجنة هي المسئولة عن تمثيل الشعر المصري في الخارج لان من يسافر لهذا الغرض لا بد ان يكون عضواً بها، كما ان اللجنة سبق لها ان اصدرت معجماً مهماً لشعراء مصر في القرن العشرين، وقريباً سنصدر كتاباً ضخماً يضم شهادات لعدد كبير من الشعراء من مختلف الاجيال، فضلاً عن بعض التطوير في الامسيات الشعرية التي ستقيمها حيث ستكون امسية مخصصة لشاعر بمفرده مع ناقد حتى يتم تقديم التجربة الفنية لدى هذا الشاعر في افضل شكل. بالاضافة الى كل ذلك، سأبحث مع د. جابر عصفور - الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة - مشروع اصدار مجلة متخصصة في الشعر يشرف عليها متخصصون. @ لماذا توقفت عن كتابة الشعر؟ * الناقد بداخلي قضى على الشاعر، حيث انني آخذ نفسي بالشدة واطبق على نصوصي الشعرية نفس المعايير النقدية القاسية التي اطالب الآخرين بالتزامها، وهذا النهج المتشدد ادى الى عدم اقتناعي بالغالبية العظمى مما اكتبه وكانت النتيجة انني لم اصدر سوى ديوان واحد هو "اناشيد صغيرة" عام 1961. البعض يقول لي احياناً لماذا لم تفعل مثل ادونيس وت. اس. اليوت في الشعر الانجليزي وغيرهما ممن نجحوا بشدة في الجمع بين الوعي النقدي والابداع الشعري وأرد عليهم بالقول ان اليوت وادونيس وغيرهما يشكلان استثناء وتظل القاعدة هي ان الوعي النقدي يجني على تلقائية الابداع.