كانت مجرد قضية مثل باقي القضايا التي يترافع فيها هذا المحامي. قضية تبديد منقولات أرادت زوجة إقامتها ضد زوجها، وانعقدت الجلسة ليفاجأ المحامي بان المحكمة قررت حبسه سنة! لم يصدق المحامي نفسه، ولكنه اكتشف انه يوجد خطأ ارتكبه وكيل النيابة واحد الموظفين تبدل معه اسم الزوج المتهم ليحل اسم المحامي محله، وطول أيام كثيرة حاول المحامي إصلاح الخطأ ولكن رجال مباحث تنفيذ الأحكام كانوا يطاردونه ليل نهار لتنفيذ الحكم الصادر ضده . وأخيراً، نجح المحامي في إثبات براءته وحصل على حكم بالبراءة، ولكنه حتى يستعيد مكانته التي انهارت بسبب هذا الخطأ تقدم لاقامة دعوى تعويض ضد وزير العدل والنائب العام، الحكاية غريبة مثيرة والتفاصيل كاملة في هذا التحقيق . انتصف الليل، وهدأت الحركة في شوارع مركز بلبيس، نظر الأستاذ ناصر المحامي في ساعته اكتشف انه تأخر كثيراً عن العودة لمنزله وقرر أن يغادر مكتبه فوراً، واستعد للاتصال بزوجته كعادته، ودار بينهما هذا الحوار . @ ناصر : استعد للعودة الآن، هل ترغبين في أي شيء أحضره معي . الزوجة : لا تعد الآن إلى المنزل، أرجو منك أن تختبئ في أي مكان! لاحظ المحامي ان زوجته ترتجف، وكلماتها تخرج بصعوبة فعاد يسألها بلهفة : @ ماذا حدث، لماذا أنت مضطربة ؟ منذ قليل جاء للمنزل مخبر من مركز الشرطة وهو يحمل ورقة ويسأل عنك بإلحاح، ولما أخبرته انك غير موجود فوجئت به يحذرني من إخفائك فعدت أساله عن سبب حضوره، فكانت المفاجأة ؟ أجهشت الزوجة بالبكاء، وانفعل الزوج وهو يطلب منها أن تهدأ وتحكي له ما حدث، فعادت الزوجة للحديث قائلة : اخبرني ان الورقة التي يحملها هي حكم قضائي ضدك بالحبس لمدة سنة ! @ حبس، سنة، ماذا تقولين ؟ هل جننت ! هذا ما حدث، واخبرني أن هذا الحكم خاص بقضية تبديد تم اتهامك فيها ! وعادت الزوجة للبكاء، وغرق المحامي في دوامة من الأفكار، مضت ثوان ثقيلة قبل أن يطلب من زوجته الهدوء، اخبرها إن كل شيء سيكون على ما يرام، وسألها عما إذا كان المخبر قد ترك نسخة من الحكم، فأخبرته الزوجة انه ترك هذه النسخة للمحامي ! فسألها ناصر بلهفة عن رقم الحكم، وتاريخه وباقي بيانات القضية وأنهى المكالمة وهو يطالب زوجته بالهدوء، وعدم الخوف من أي شيء، مؤكداً لها أن ما حدث هو مجرد خطأ سيتداركه في الصباح ! اللغز ذهب المحامي ليبيت عند أحد أصدقائه في ذلك اليوم، لكنه لم ينم طوال الليل، ظل يفكر في هذا الحكم الغريب، لم يتخيل مطلقاً أن يتم الحكم عليه في قضية ترفعها الزوجات على أزواجهن وزوجته لا تعلم شيئاً عن هذه القضية، فمن أين إذن جاء هذا الحكم ؟! ساعات ثقيلة مضت وتثاقلت عينا المحامي فاستسلم لنوم مضطرب وهو يتمنى أن يأتي النهار بسرعة حتى يفك رموز هذا اللغز وفي الصباح استيقظ المحامي في السادسة، وأسرع بارتداء ملابسه، وتوجه إلى المحكمة! كان يحمل البيانات التي حصل عليها من زوجته، أسرع بها إلى صديقه سكرتير المحكمة، وقدم له البيانات، اندهش السكرتير بشدة حينما علم الأمر، وتحولت دهشته إلى ضحكات هستيرية وهو يؤكد للمحامي انه من المؤكد أن هذا الحكم يخص شخصاً آخر، وكان في الوقت نفسه يقلب في الأوراق بحثاً عن ملف القضية ! أخيراً عثر على الملف واخرجه أمامه، كاد الفضول يقتل الأستاذ ناصر، شعر برغبة عارمة في أن يختطف الملف من يد الموظف ليفحصه بنفسه ليختصر بضع ثوان ! ولكنه سيطر على نفسه وانتظر رد فعل الموظف الذي انهمك في فحص الأوراق، بدت عليه الدهشة الشديدة وهو يقرأ الملف وينظر إلى المحامي ، ثم قال : @ أستاذ ناصر هل تعرف سيدة اسمها سناء، وتسكن في قرية الزوامل ببلبيس ؟! نعم، فهي موكلتي ! @ موكلتك، الأوراق يبدو منها أن المحكمة قضت بحبسك بتهمة تبديد أثاث مسكن الزوجية الخاص بكما! @ ماذا تقول، أهذا هو الحكم الذي أصدروه ضدي هل تعلم ماذا بيني وبين هذه السيدة ؟ نعم اخبرني ! @ السيدة سناء طلبت مني رفع دعوى تبديد ضد زوجها الذي هرب من المسكن، وباع الأثاث فقمت بابلاغ نيابة المطرية بصفتي وكيلاً من سناء، وطلبت من وكيل النيابة إصدار أمر بضبط وإحضار الزوج، وإحالته للمحاكمة ! كست الدهشة ملامح موظف المحكمة الذي عاد يقرأ الأوراق بتمعن اكثر، وتزايدت علامات الذهول في وجهه، وهو يردد كلمة، غير معقول كيف يقعون في هذا الخطأ؟ سأله المحامي بلهفة! @ ما هذا الخطأ يا أستاذ فاروق . ما حدث لا يتكرر الابنسبة واحد في الألف، وكيل النيابة وقع في خطأ وعلى سبيل السهو أحالك أنت للمحاكمة بدلاً من الزوج ! @ يا للكارثة خطأ يقودني الى السجن، لا ادري ماذا جرى في الدنيا ! عليك الآن عمل معارضة في الحكم، وتقف بنفسك أمام القاضي لتشرح له ما حدث ! نعم هذا ما سيحدث، ولكن لن اترك حقي مطلقاً، سأطالب بتعويض عن الرعب الذي عشت فيه مع زوجتي بسبب هذا الحكم الخاطئ ! البراءة! كان المحامي ينتظر اليوم المشهود وأخيراً جاء موعد جلسة المعارضة . وحان دور قضيته في الرول، وقف أمام رئيس المحكمة الذي أصدر ضده الحكم الغيابي السابق بالحبس، قدم له الأوراق الأصلية، وعريضة الدعوى، وأحضر (سناء) موكلته التي أصدرت المحكمة الحكم لصالحها! أخذ رئيس المحكمة يطالع الأوراق بدقة، وكعادة حماة القانون، يعترفون بالخطأ، وجل من لا يخطئ، اعتذر له رئيس المحكمة، أكد له أن ما حدث هو خطأ غير مقصود، من الممكن أن يحدث وسط زخم مئات القضايا، فالقاضي مهما كان بشراً يصيب ويخطئ والمهم هو أن يصحح الخطأ! في نهاية الجلسة أصدر رئيس محكمة جنح المطرية الجزئية قراره بقبول المعارضة، وإلغاء الحكم الصادر بحبس المحامي سنة مع الشغل،وتغريمه 100جنيه. وطالبت المحكمة النيابة بالبحث عن المتهم الحقيقي وتقديمه للعدالة!ظهر الارتياح على وجه المحامي، الذي حمل ورقة البراءة وهرع إلى منزله، كانت زوجته هي أول إنسانة يطلعها على هذا الحكم، وتنفست الزوجة الصعداء، وحمدت الله على انتهاء هذه الأزمة التي عصفت بكيان منزلها عدة أيام، وعادت لتسأل زوجها (كيف حدث ذلك؟). أخبرها أنه لا يعلم تفصيلياً، لكنه أكد لها أنه لن يترك حقه، وسيتخذ كل الإجراءات للتعويض، سافر إلى القاهرة مرة أخرى وأمام محكمة القضاء الإداري رفع دعوى بتعويض ضد وزير العدل بصفته، والنائب العام بصفته، ورئيس نيابة المطرية بصفته! وفي عريضة الدعوى شرح المحامي تفاصيل ما حدث، وأكد أن وكيل نيابة المطرية أخطأ حينما حرر المحضر ضد المدعي، وأضاف مؤكداً أن وكيل النيابة لم يعط القضايا الاهتمام الكافي لأنه قيد القضية ضد أول اسم صادفه! أضاف المحامي في عريضته مؤكداً،أنه لم يعلم شيئاً عن الحكم إلا حينما داهمت مباحث تنفيذ الأحكام منزله، وأرفق صورة من الحكم وكذلك عريضة الدعوى الأصلية، وحكم البراءة الذي حصل عليه! وأكد المحامي أن هذا الحكم اصابه بأضرار أدبية، فحينما علم موكلوه أن المباحث تطارده فقدوا الثقة فيه، وانتشرت الشائعات التي تنهل من سمعته، بعض الناس أكدوا أنه متهم في قضية نصب، وآخرون أكدوا أنه متهم في قضية عملة، فأغلق مكتبه حتى لا يواجه الموكلين لحين انتهاء القضية! أضاف المحامي موضحاً أن هذا الحكم أدى إلى تشويه سمعة أسرته وأخيره مادياً لأن عشرات الموكلين سحبوا قضاياهم من مكتبة نتيجة للشائعات الكثيرة! اختتم المحامي قضيته مطالباًُ وزير العدل بتعويض قدره 100 ألف جنيه مؤكداً أن الوزارة لا يمكن أن تتحلل من هذا الخطأ لأنها مسئولة بشكل مباشر، أو غير مباشر عن أخطاء موظفيها! أخطاء المهنة! التقينا مع المحامي،وموكلته سناء الذي كاد يدخل السجن بسبب قضيتها وقال المحامي: لم أتوقع مطلقاً ما حدث، فنحن نعلم بحدوث أخطاء في أية مهنة بسبب ضغط العمل، لكن في عالم القضاء فالخطأ فادح، لأنه قد يضيع مستقبل إنسان ويدخله السجن، وهذا ما حدث لي. زوجتي نفسها شكت في كوني متزوجاً من إنسانه أخرى وهي التي رفعت ضدي قضية التبديد، حاولت إثبات براءتي أمامها أولاًُ، ولم أتمكن من إثبات هذا البراءة إلا حينما حصلت على حكم المحكمة، ولذلك قررت أن أقاضي وزير العدل والنائب العام وأطالبهما بتعويض! @ سألت " سناء" وهي سبب ما حدث للمحامي: @ ما قصتك.. وقضيتك التي كادت تقود محاميك للسجن؟ * قضيتي عادية تتكرر مع كثيرين،حدثت خلافات بيني وبين زوجي الذي يعمل سائقاً، رفعت ضده دعوى خلع تنظرها المحاكم الآن، وحصلت ضده على حكم نفقة، وحبس ستة أشهر في قضية شيك بدون رصيد! سبب خلافي معه هو أنني اكتشفت أنه يختفي عن المنزل كثيراً واكتشفت بعدها أنه متزوج من إنسانه أخرى، ورغم أنني لم أقصر في حقوقه،ولذلك قررت أن أحصل على حريتي بأية وسيلة! رحلة زواجنا استمرت 10 سنوات، صبرت كثيراً على مشاكله، وأخيراً قررت أن أقاضيه، طلبت من الأستاذ ناصر رفع دعوى تبديد ضده! @ كيف استقبلت خبر حبس محاميك في قضية التبديد التي رفعها لك؟ * الحقيقة ضحكت كثيراً من هذا الخطأ الغريب، ولكنني واثقة أن الأمور ستعود إلى طبيعتها وهذا ما حدث بالفعل، والنيابة الآن تجهز أوراقها لإحالة المتهم الحقيقي إلى المحاكمة.