تطلع إلى ساعته الذهبية وهو يقف عند إشارة المرور وقطب حاجبيه وهو يعيد النظر إلى الضوء الأحمر الذي طال أمده. مرت لحظات وهو يوزع نظراته ما بين ساعة يده وساعة الإشارة. انطلق بسيارته مسرعاً عندما اقتربت ساعة الإشارة من الرقم واحد وكاد يصدم سيارة انطلقت بسرعة مماثلة من الإشارة المقابلة. زاد من ضغطه على دواسة الوقود وتوتره يزداد كل لحظة وهو يقود متجاوزاً السيارات حوله بتهور. تذكر كيف كان يستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة ويحضر للمسجد ليحلي لسانه بتلاوة القرآن الكريم. كان يستفتح يومه بصلاة الفجر ثم يذهب لعمله بنشاط منقطع النظير وصل إلى وجهته بعد دقائق وأوقف سيارته أمام مسجد قديم البناء. دخل يجر خطاه بتثاقل إلى المسجد الموجود في الحي الصغير حيث يسكن. تلفت في ساحة المسجد الذي احتوى على بناء صغير غير مكتمل لما يبدو جناحا للنساء ملحقا بالمسجد. استغرب وجود البناء للحظة ولكنه تذكر سريعاً طول غيبته. ركن نعليه المهترئين اللذين يرتديهما فقط عند ذهابه للمسجد ودخل وأنفاسه تتسارع. ذهل من الحشد الكبير الذي غص به المسجد وأدرك تأخره في الحضور للصلاة كالعادة. شق بضعة صفوف غير مكتملة من المصلين الجالسين حتى وصل الصف الأول. كبر بيديه وراح يؤدي تحية المسجد في خشوع مضطرب. راح يؤنب نفسه لغيابه الطويل عن المسجد بسبب مشاغله الكثيرة. كان الحضور الأخير له قبل بضعة أسابيع وسط حضور متقطع مستمر منذ أشهر. ركع وهو يحاول تسبيح ربه ثم اعتدل وسجد وأطال السجود وهو يفكر. أصابه الحزن وهو يشم رائحة بساط المسجد العطرة واسترجعت ذاكرته حلاوة تلك الأيام عندما كان يلازم المسجد في جميع الصلوات قبل سنوات. تذكر كيف كان يستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة ويحضر للمسجد ليحلي لسانه بتلاوة القرآن الكريم. كان يستفتح يومه بصلاة الفجر ثم يذهب لعمله بنشاط منقطع النظير. لكن الحال تغير قبل أشهر عندما بدأ بمزاولة التجارة وراح يجمع الصلوات في بيته وعلى جانب الطريق بسبب مشاغله التي لا تنتهي أدرك أن الدنيا أشغلته عن أداء الصلوات في أوقاتها. ألقى السلام يمنة ويسرة منهياً صلاته بعجلة اعتادها مؤخراً ثم اعتدل في جلسته. لمح بجانبه جاره الكهل الذي راح يحدق فيه بغضب فشلت عضلات وجهه في اخفائه. شاح بوجهه متحاشياً النظر في جاره وأخرج هاتفه المحمول وفتح تطبيق القرآن الكريم. مرت لحظات وهو يحاول اختيار احد السور لقراءتها لاشغال نفسه عن نظرات جاره التي زاد لهيبها. وقف أحد المصلين بجانبه فقام برفع رأسه محاولاً التطلع لوجه القادم الجديد لكن الأخير سارع بالتكبير وبدأ تحية المسجد متجاهلاً السلام عليه. أدرك غضب جيرانه وأهالي الحي من غيابه غير المبرر عن المسجد وراح يلعن تلك الأوراق الزرقاء التي أفنى عمره في الركض خلفها. التفت إلى جاره الغاضب و راح يرسل نظرات هادئة مدعياً فهمه لسبب غضبه وهو يهز رأسه معلناً وصول رسالة الساخطين من أهل الحي. عاد بنظراته حيث مكان سجوده وراح يعد نفسه بأهمية حضور الصلاة في وقتها ليتفادى الوقوع في مشاكل مع أهل الحي ولكي لا يخسر وظيفته. قام من مكانه وأشار إلى المؤذن «الآسيوي» لإقامة صلاة العشاء في حركة معتادة. تقدم ليؤم جمع المصلين مؤدياً وظيفته التي لا يستحقها.