العمل الاجتماعي وتغيير المجتمع نحو الأفضل هو مطلب جماعي وأمل يحمله الجميع فكل إنسان مؤمن يحمل بداخله بذرة خير لمن هم حوله ويتمنى لهم مستقبلا افضل، لابد ان يطمح الى تغيير واقعه وما يدور فيه من سلبيات وعناصر هدم فالناس في ذلك متساوون، والفرق بينهم يكمن في أمر واحد، وهو ان البعض يترجم ذلك الشعور العميق والأمل الى عمل ونشاط، فيقوم بالعمل على اصلاح المجتمع وتغييره انطلاقا من قوله تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". بينما يتوقف البعض على مجرد الإحساس بضرورة الاصلاح والتغيير منتظرا غيره أن يقوم بالدور المطلوب منه ويرجع هذا الجمود والخمول وعدم الدخول في العمل الاجتماعي والانتماء لجماعة معينة كما يذكر علماء الاجتماع للأسباب التالية: 1 الخوف من التورط في العواقب: فالبعض يخشى ان انتماءه بالعضوية في جماعة معينة يفضي به الى الالتزام بمتطلبات الجماعة والتي من اهمها تقديم المساعدات المالية، او القيام بعمل او وظيفة معينة لبعض الوقت، او الدخول في مشاكل لايحبذون الدخول فيها. 2 بذل الجهد الأقل: إن الانضام الى جماعة او نشاط اجتماعي يتطلب من الفرد بذل الجهد والعمل وربما صرف المال، وهذا ما يجعل الكثيرين يحجمون عن التقدم الى أي دور اجتماعي ويفضلون بذل هذا الجهد من اجل تنمية مواردهم الخاصة واشباع فضولهم الشخصي الذي لا يمت الى الجماعة بصلة. 3 الافتقار الى الفهم وإدراك مسؤولية الفرد تجاه المجتمع والواجبات التي يجب عليه ان يشارك فيها مجتمعه، وما أكثر هذه الشريحة في المجتمع. أساليب متبعة في التغيير ولو أردنا ان نتفحص هذه الفئة العاملة التي هي محط انظار الجميع لوجدنا ان هناك أسلوبين في عملية التغيير: الاول: العمل الفردي: وهو الذي يقوم به فرد في جميع ادواره ومهامه والذي يتمثل في ؤمام المسجد والخطيب والفرد الناشط اجتماعيا وهذا المنهج رغم إهميته وانه لا غنى للمجتمع عنه في معالجة الكثير من القضايا الا انه يؤخذ عليه المحدودية في النشاط، وعدم الاستمرارية، وعدم النمو، وربما الوقوع في الكثير من الاخطاء بسبب محدودية الفرد وضيق أفقه بالنسبة للجماعة. الثاني: العمل الجماعي: وهو ما يكون ضمن تركيبة معينة تهدف الى خدمة المجتمع وإصلاحه، وهي عادة ما تحمل اسما معينا كجمعية او مؤسسة او لجنة او ما اشبه وفي الغالب هي جماعات خيرية لا تعمل من اجل المادة وكسب الربح وانما من اجل اصلاح المجتمع وهذه الفئة هي الخيار الأفضل في عملية التغيير لما تتسم به من مميزات والتي من أبرزها: @@ اولا: حث النصوص على الدعوة الى التكاتف فقد وردت العديد من الآيات والروايات تؤكد العمل الجماعي وتدعو الى التكاتف، بل اذا نظرنا الى القرآن الكريم نجد ان جميع صيغ الخطاب للمؤمن بصيغ الجماعة لا الفرد المؤمن وفي هذا دلالة واضحة من الله سبحانه وتعالى على ما للجماعة من اهمية ومن هذه الصيغ "قل للمؤمنين، يا أيها الناس" ومنها قوله تعالى: "التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الساجدون، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين" التوبة/ 112. وتارة تأتي النصوص تبين صفة المؤمن الحقيقي وتعرفه بأنه الفاعل في مجتمعه والساعي من اجل تغييره وإصلاح ما فيه من فساد ومنها قوله تعالى: "المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" التوبة/71. ومن ألطف الروايات التي جاءت تؤكد على مفهوم الجماعة قوله صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة، ولا يبالي الله بشذوذ من شذ... من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه.. من أراد ان يسكن في بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة". المراد بالجماعة هنا المتعاونون على الخير والصلاح الذي يعود على الجميع. بقرينة يد الله، والخروج من الاسلام، وبحبوحة الجنة، كما ان الحديث التالي يفسر معنى الجماعة بمفهوم الاسلام: سئل رسول الله (ص) عن جماعة أمته؟ فقال: جماعة أمتي أهل الحق وإن قلوا". @@ ثانيا: الاستمرارية: فالعمل الجماعي يتصف بالاستمرارية والدوام فوجوده غير مقترن بشخص يوجد بوجوده ويزول بزواله، وانما هو مؤسسة يتناوب على العمل فيها اشخاص عدة فكلما سقطت ورقة نبتت مكانها ورقة أخرى تعطي للعمل حيويته وتجدده، بخلاف العمل الفردي الذي يتأثر بعوامل التعرية التي تعتري الفرد من مرض وسفر وانشغال وموت وغيره من معوقات العمل التي تكون حجر عثرة أمام تقدمه وتطوره. @@ ثالثا: التطور: العمل الجماعي هو أشبه بالطفل الصغير الذي يبدأ بسيطا ضعيفا ثم لا يلبث ان ينمو ويشتد عوده وتقوى شوكته، فهو يستفيد من أخطائه وتجاربه ويتعلم منها وهذا أمر نلحظه في كل مؤسسة أوشركة تقوم بعمل ما، حيث تبدأ صغيرة ثم تغدو كبيرة، والعمل الجماعي لا يختلف عن ذلك خاصة ان هدفه الخير للمجتمع فانه يجد تفاعلا وتأييدا واسعا يمنحانه الثقة والدعم الذي يسهم في سرعة سيره وتطوره ولعل ابرز مثال الجمعيات الخيرية التي تحصل على الدعم من جميع شرائح المجتمع ومختلف طبقاته. كما انه ليس نتاج عقل واحد وطاقة محدودة وانما هو خلاصة تفاعل عقول عدة تفاعلت وخططت ثم كان العمل محصلة تلك العقول مجتمعة. @@ رابعا: القوة والمتانة: إن العمل الفردي يمثل طاقة واحدة بينما العمل الجماعي يمثل طاقات مجتمعة وجهد مجموعة من الاشخاص وبالتالي هو يكون اكثر تماسكا وقوة وصمودا أمام العقبات التي تعتريه فالنقص الموجود في شخص ما يغطى بالآخر وهكذا يجد العمل سعته وطاقته من خلال مجموع افراده لا من فرد واحد ولعل اصدق مثال قصة الاعرابي الذي اخذ حزمة من الاعواد وقال لكل واحد من ابنائه ان يكسرها فلم يستطيعوا فعل ذلك ثم فك الحزمة واعطى كل فرد منهم عودا واحد وقال له اكسره فقام كل واحد منهم بالأمر بسهولة ويسر. فقال لهم: هكذا تكون قوتكم اذا كنتم مجتمعين وهكذا يكون ضعفكم اذا كنتم متفرقين. @@ خامسا: يساعد الفرد على تنمية الذات: ما من انسان يخلو من عيوب ونقص في شخصيته يسعى الى جبرها وإصلاحها كما انه يرغب الكثيرين في تنمية مواهبهم الاجتماعية والسلوكية والقيادية والعمل الاجتماعي يمنح الفرد هذه الفرصة ويتيح له المجال من خلال النشاط الجماعي. كما يعد العمل الجماعي حقلا تجريبيا يطلع الشخص من خلاله على ما في شخصيته من كمال او قصور، وقوة او ضعف الامر الذي ييسر عليه ان يعمل على تنمية ورعاية نقاط القوة في ذاته، وتكميل جوانب الضعف لديه.