بعد الجولة التمهيدية التي قام بها الأخضر الإبراهيمي، المبعوث العربي الدولي إلى سوريا؛ للتحضير لمؤتمر السلام الثاني حول سوريا المعروف ب «جنيف-2»، والتي شملت عدة دول منها سورياوإيران. إلا أن زيارته إلى إيران أثارت تساؤلات كثيرة حول إصراره في دعوة إيران للمشاركة في مؤتمر جنيف -2، وإصراره أن مشاركتها ضرورية وطبيعية، فبعد لقاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أعلن الابراهيمي «أن مشاركة إيران في مؤتمر جنيف-2 أمر ضروري، ومن هذا المنطلق سيتم توجيه دعوة لطهران للمشاركة في هذا الاجتماع. ثم تبع ذلك إعلان واشنطن عن موافقتها على مشاركة إيران في مؤتمر جنيف-2 إذا أيدت طهران علانية بيان 2012، الذي يطالب بتشكيل حكومة انتقالية في سوريا. تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف، إن الولاياتالمتحدة أكثر ميلا إزاء مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2»، إذا أيدت طهران بيان مؤتمر «جنيف 1». ثم تبع ذلك أيضا إعلان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الموافقة على مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2. هذا التحول في طريقة التعاطي مع إيران؛ يثير كثيرا من الأسئلة، فإيران كانت وما تزال جزءا من الأزمة في سوريا. واتخذت منذ اندلاع الثورة في سوريا موقف الرافض لهذه الاحتجاجات، واعتبرتها «مؤامرة خارجية افتعلها الأعداء؛ لتهديد النظام السوري، وضرب الأمن والاستقرار في سوريا» ولم يقتصر هذا التأييد على الجانب الدبلوماسي بل تجاوزها إلى الدعم العسكري المباشر.هذا التحول في طريقة التعاطي مع إيران؛ يثير كثيرا من الأسئلة، فإيران كانت وما تزال جزءا من الأزمة في سوريا. واتخذت منذ اندلاع الثورة في سوريا موقف الرافض لهذه الاحتجاجات، واعتبرتها «مؤامرة خارجية افتعلها الأعداء؛ لتهديد النظام السوري، وضرب الأمن والاستقرار في سوريا» ولم يقتصر هذا التأييد على الجانب الدبلوماسي بل تجاوزها إلى الدعم العسكري المباشر، ف 50 ألف مقاتل من الحرس الثوري ومليشيات حزب الله والمليشيات الطائفية العراقية المنضوية تحت ما يسمى ب(لواء ابو الفضل العباسي كلهم موجودون في سوريا؛ لقتل الشعب السوري ودعم النظام. وقد أعلن هذا صراحة محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني في سبتمبر الماضي، أن قوات «فيلق القدس» التي تقوم بتنفيذ العمليات العسكرية والسرية خارج إيران موجودة في سوريا. هذا التحول برأيي ناتج عن حدثين مهمين، الحدث الأول: هو الاتفاق أو الصفقة الروسية –الأمريكية التي اختزلت الثورة السورية في تداعيات جريمة استخدام الكيماوي وترك جوهر الأزمة ولب الصراع، وهو العدوان والقتل الحقيقي المستمر بالوسائل العسكرية التقليدية طوال أكثر من سنتين ونصف ضد هذا الشعب الأعزل، والذي نتج عنه قتل أكثر من 115 ألف شخص بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ودفع ملايين السوريين إلى الهرب من منازلهم. الحدث الثاني والمهم: هو التقارب الإيراني -الأمريكي، فبعد أكثر من ثلاثة عقود من الصراع بين واشنطن وايران تتراوح فصولها من أزمة الرهائن، مرورا بحرب الخليج الأولى (الحرب الإيرانية - العراقية)، وانتهاء بأزمة الملف النووي الإيراني يأتي الاتصال التاريخي بين الرئيس الامريكي أوباما والرئيس الايراني روحاني؛ ليمهد الطريق لخروج إيران من عزلتها مع الغرب، ويعيدها إلى الساحة الدبلوماسية كما كانت في السابق. وقد ناقشت هذا الموضوع في عدة مقالات عن أسبابه وتداعياته على دول الخليج. إلا أني اعتقد أن تسوية الملف السوري كانت جزءا من هذه الصفقة في مقابل استعادة طهران العلاقات السياسية والدبلوماسية مع واشنطن والغرب، ورفع العقوبات الاقتصادية، ويمكن أن يتجاوز ذلك إلى عودة إيران إلى دورها التقليدي في الخليج كما ينادي بذلك نخبة من السياسيين وصناع القرار داخل أمريكا، ممثل مستشار الأمن القومي الأسبق زبغينو بريجينسكي والرئيس الأسبق لوكالة الأمن القومي الجنرال ويليام أودوم اللذان ناديا بصراحة في تقرير لهما بتنفيذ استراتيجية «السياسة الواقعية» عبر التفاوض مع إيران، وإعادتها إلى دورها التقليدي التي كانت تمارسه قبل 1979 على عهد الشاه السابق «شرطي الخليج». وإيران في ظل ترهل النظام الدولي أصبحت تمتلك أوراقا كثيرة تستطيع اللعب بها سواء في العراق أو لبنان، عبر حزب الله أو حتى عبر شبكات التجسس في اليمن ودول الخليج. لعلي أسجل نقطة مهمة وأخيرة هنا، وهي أن إيران ستظل قوة إقليمية أساسية في المنطقة، وإن أرادت أن تكون متفاعلة مع قضايا المنطقة وتكون جزءا من تسوية الأزمة في سوريا وغيرها، فلابد لها أولا أن تسحب جميع قواتها ومليشياتها من داخل سورياولبنانوالعراق واليمن، وتكف عن التدخل في شؤون الخليج واليمن، وتتحول إلى قوة فاعلة ايجابية، إلى جانب القوى الإقليمية الاخرى الفاعلة في المنطقة. وثانياً القبول بعدم مشاركة الأسد وأقطاب النظام الملطخة أيديهم بالدماء في أي ترتيبات أو قيامهم بأي دور في إدارة المرحلة الانتقالية القادمة للسلطة في سوريا من أي نوع كان في حاضر سوريا أو مستقبلها. ثالثاً الاعتراف بالأخطاء التي تمت والاعتذار من الشعب السوري واحترام إرادته وعدم التدخل في خياراته.