ما أقيمَ الإسلامُ حُكمًا ودسْتورًا , وجُعل شرعَة ومنهاجًا إلا ليُهذب الخلق ويُوردهم هامَ المعالي .. ويكسُوهم أبهى الحُلل , ويسكنهُم أسْمى الظلل .. حَفظ أعراضهُم , وهذبَ أخلاقهُم , وصانهُم بالفضائل عَن الرذائل , وحمَاهم بالعدل منَ الظلم ..وغرسَ في نفوسهم فسائلَ المساواة , وأنبتَ فيها كلأ الإيمان ..يحرمُ الامتهان , وينصفُ المظلومَ , ويقتصُ من الظالم ..يُحرجَ حَق الضعيف , ويتوعَد الطاغية , ويرحمُ المسْتضعف ..يبث الطمأنينة والراحَة في نفوس المُستضعفين : بعِزة الله وجَلاله لَينتصرنَ لهُم ولو بعد حين ! ويُلقي في قلوب الظالمين الرُعبَ بسياط الوعيد : فلن يُجاوز جسرَ جهنَم ظالم حَتى يُقتصَ منه لمن ظلمه حتى الكلمة , يحبسُ العَبد في رَدغة الخبال حَتى يأتيَ بالمخرَج مما قال – نسألُ اللطفَ والرحمات - !..حَداني إلى رَقم هذه الكَلمات .. مقطعٌ مؤلم ..وصلني قبلَ يومين لشابٍ يضربُ عاملا وكانَ المقطعُ على هيئة ( رابطٍ واتسابيَ ) ..فولجتُ غرفتي وأدنيتُ جهازَ الكمبيوتر , ودلفت إلى مَوقع اليوتيوب .. وكتبتُ في مُحرك البحث اسم المقطع الذي وصلني , وليتَني ما فعلت ..انهالت النتائجُ موجعَة , مُؤسفة , مُخيبَة , مُنهكة , مُبكية .. وإذا المقاطعُ التي تشاكلُ ما كنتُ أبحثُ عنه كثير .. وكنتُ وأنا أقلبُ المقلَ بينَ مقاطِع ضرب الشباب للعمال تلسَعني سياطُ الألم , فما أملكُ أن أريمَ عنها ..ودخلتُ في دهاليز من الحُزن لا يعلمُ كُنهها إلا الله ..وألفيتُ بين تلكَ المقاطع مشهدًا يقطع نياط القلوب , ويُوجعُ الراحمينَ .. (والراحمُونَ يرحمهُم الرحمن) .. عاملٌ بهيئَة رثة , وسرابيلَ هشة , وأسْمال بالية , وأكسيَة واهية ..قد علتهُ المسكنة , وجَللتهُ آثارُ الشقة , يكدحُ تحتَ لفحَاتِ الشمس , ولسَعات الحَر .. وشابٌ آخذ بسَوط يضربُه , ضربَ من لا يبالي بمشد يَوم عظيم .. والعَامل المسْكين ينوحُ نوحَ الصبيّ , ويبكي بكاءً يفتُ الفؤاد .. ورَهْط الشاب يصورونَ المشهَد بكُل جَبروت .. واللهُ ذُو العرش , فوقَ العَرش لا يعزبُ عنه من هذا المشهَد مثقال ذرة ! لكنهُ يمهلُ ولا يهمل .. يمْلي للظالم حتى إذا أخذَه لم يفلته .! عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاما لي , فسمعت من خلفي صوتا (اعلم، أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه).. فالتفتُ فإذا هُو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله , فقال: (أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار).!..وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ...) .!