مبدأ غريب يعتنقه بعض الناس، فإما أن توافقه في كل شيء، أو تكون خصمه، حتى غدت الحياة لديه بلون واحد، مقصيا كل الألوان الأخرى. غير أن المؤسف أن ينتشر هذا المبدأ في أوساط المثقفين، فبعضهم يريدك أن تفكر وتنهج منهجه، وإن لم تفعل اتخذك خصما، يكيل اليك التهم، ويقلب القضية الى نزاعات شخصية. وهنا يبرز سؤال: ألا يمكن أن يكون هناك اختلاف دون خلاف؟ أليس في ذلك إثراء لثقافتنا؟ أليست ثقافتنا قادرة على استيعاب هذا التنوع؟ وفي حين تسعى منظمات ثقافية عالمية لإيجاد اعتراف بالتنوع الثقافي على مستوى الحضارات والثقافات العالمية، وربط هذه التنوع بكرامة الإنسان، نجد من يصر على ايجاد ثقافة واحدة ترفض الآخر وتقصيه، ليس الآخر في الحضارات الأخرى وحسب، وإنما الآخر الذي يختلف معه في الرأي فضلا عن غيره، أيا كان ذلك الآخر. ان الثقافة بطبيعتها متنوعة و لابد بدءا من الاعتراف بهذا التنوع، وانني أتساءل: ما المانع على سبيل المثال من النهل من التراث واستلهامه، وفي الوقت نفسه الاستفادة من النظريات الحديثة، خصوصا أن الثقافة إرث إنساني، يلتقي في كثير من الأحيان. لقد أدرك أسلافنا خصوصا في العصر العباسي ذلك جيدا، فنهلوا من مختلف الثقافات فارسية وإغريقية، وهندية وتركية، وطوعوها وصهروها في ثقافتهم من منطلق ايمانهم بثقافتهم وقوتها. ثم أتساءل على المستوى الابداعي: لماذا لا نحتفي بقصيدة العمود وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر معا؟ ما المانع من قبول القصص القصيرة والقصيرة جدا والشعرية؟ ولم لا يكون المعيار لقبول النص جودته؟ ولماذا علينا أن ننمط ابداعنا ونشكله بلون واحد فقط؟ صحيح ان الابداع ينهل من أعراف ثقافية، ولكنه حين يكون أسير هذه الأعراف يفقد صفة الابداع، ويدخل في تكرار نمطي ضعيف، والابداع لا يزدهر إلا بالتجريب والتجديد من خلال الاتصال بالآخر. أعتقد أنه من حق كل التيارات الابداعية أن تطرح ما لديها، ومن حق المبدعين أن يجربوا، ومن حق المثقفين أن يختلفوا، بل يجب أن يختلفوا حتى يثروا هذه الثقافة. أما من يسعى إلى أن تبقى الثقافة بلون واحد نمطي فإنما يقترف جريمة بحق ثقافتنا، وإن كان ما يسعى اليه أمرا مستحيلا، فطبيعة الثقافة متنوعة ومتعددة، ولا يمكن تأطيرها.