الزميل الأستاذ احمد الجار الله رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية صور بقلمه المميز هذه المشاعر والمواقف المثيرة تجاه أكثر من حادثة ذات كتابة نترككم للتعايش معها فيما يلي: الفعل الكريه وردود الفعل الأكره يضعانني في حالة شرود فكري , أولا لأني لا أتمنى لصديق أو عزيز أن يصدر عنه فعل كريه , وثانيا لأني أريد ان يتلقى عنه رد فعل اكره. في بريطانيا ألغوا عقوبة الإعدام لأن شخصا نفذ فيه الحكم وكان بريئا الا أن القرائن كانت كلها ضده , فالمجرم الحقيقي كان حاذقا , وعرف كيف يلبس غيره تهمة القتل , والجريمة التي ارتكبها , وهذه الفعلة بحق بريء لم تكن الوحيدة اذ ارتكب هذا المجرم الحاذق نحو سبع جرائم قتل , كان معظمها يقيد ضد مجهول , وواحدة اتهم فيها بريء ,ورفع الى حبل المشنقة وارسل الى الموت برغم صراخه انه بريء , وكما يقولون في القضاء (هناك كثيرون يقتلهم شهودهم) رغم انهم أبرياء, وعندما يشهد أحد ضدك فانك في القانون الأمريكي, تدان, وتعاقب, والمهم ان يكون من شهد ضدك يعرف كيف يلبسك التهمة, وفي هذه الناحية فان القانون لا يرحم , فمواده صريحة, والقاضي لا يستطيع أن يحيد عنها إلا إذا امتنع عن النطق بالحكم , وهو يلجأ عادة الى هذا الاجراء اذا عرف ان المتهم الواقف أمامه بريء حتى يريح ضميره , وينسجم مع مرئياته وقناعاته. وقبل مدة تم اعدام ثلاثة من التابعية البنغالية في الكويت بعد ادانتهم بتهم فظيعة وكريهة جاء الحكم عليها اكثر فظاعة وكرها , لكنه جزاء لا مفر منه. حكم الاعدام نفذ علنا وتدلت أجساد ثلاثة عن منصة ثلاث مشانق . شاهدت صور تنفيذ حكم الاعدام وأجزت نشرها في اليوم التالي , وتذكرت ما ارتكبه المجرمون الثلاثة من أفعال يقشعر لها البدن , حتى لا يرق قلبي لهم , وأنا أراهم جثثا هامدة معلقة في الهواء.في اليوم التالي ذهبت الى النائب العام حامد العثمان , فأنا أردت ان أراه لأنه هو الذي اشرف على تنفيذ حكم الإعدام , بحضور جهاز وزارة الداخلية , وأجهزة أخرى ذات اختصاص , وأردت أن اعرف كيف عايش عملية التنفيذ فتبين لي أنه نام هانئا تلك الليلة , ولم تراوده الكوابيس المخيفة أو الأحلام المزعجة, ابتسم لي ابو عبد اللطيف وقال: هذا قصاص. ولو عايشت مثلي تفاصيل التحقيقات ,وعرفت ما فعله هؤلاء المجرمون الثلاثة , لكنت طلبت لهم عقابا أقسى من الموت واشد. وتابع النائب: العام حامد العثمان نحن معنيون بحماية المجتمع , والا فان الفوضى ستعم , وسنعيش شريعة الغاب. لقد نمت هانئا تلك الليلة , بل وشعرت بأن كل من رافق وقائع هذه القضية , وما تخللها من أفعال شنيعة وكريهة , كان سعيدا بتنفيذ الحكم , وبشكل علني , حتى يكون رادعا. بدأ العثمان يتحدث عن طريقة تنفيذ أحكام الإعدام في العالم وقال: في أمريكا يلجأون الى الابرة السامة , وفي دول أخرى الى الرمي بالرصاص, أو الى استخدام السيف , وفي الماضي كانوا يقطعون الرأس بالمقصلة , وبعض الدول الآن تلجأ إلى الشنق, وهو طريقة كانت سائدة زمان. المهم اني خرجت من عند النائب العام في ذلك اليوم بمشاعر مختلفة ومختلطة, كنت أريد أن اعرف منه مشاعر الإنسان وهو يرى ثلاثة أجساد بشرية تتدلى على حبل المشنقة في وقت واحد, وتذهب الى الموت, وكنت أريد ان اعرف لماذا اختار البعض تنفيذ أحكام الإعدام بالرمي بالرصاص ,وهل لان القتل بالرصاص غير موجع وسريع ,وهو قتل اصحبنا نشاهده يوميا على شاشات التلفزيون من خلال الحروب وتصويرها بين الدول المتنازعة , سواء على الحدود , أو من أجل الاستقلال ,ونرى هنا أن للموت طعما آخر وربما بعث فينا الشعور بالاعتزاز والفخر. لكن حامد العثمان أجابني بعيدا عن كل هذه التساؤلات , اذ ابتسم وقال: هذه عاقبة المجرمين ,وتصور أن الناس الذين جاءوا لمشاهدة التنفيذ العلني للحكم كان بعضهم يسألني : متى عقاب قتلة الطفلة آمنة؟ ويبدو أنهم بسؤالهم هذا يريدون استعجال العقاب بالنظر لفظاعة الجريمة الكريهة. الحضور عرفوا ان التنفيذ العلني للحكم كان عبرة, ولا يريدون واحدا من بينهم لا يعرف الانضباط بتعاليم ربنا , ولا يعيش حياة سوية نتبادل فيها المنافع بعدل وانصاف وحب ومودة. في اوائل القرن الماضي كانوا يستخدمون (الخازوق) في تنفيذ أحكام الاعدام من اسفل إلى أعلى , وينتهي بالرأس , فيموت بعد ثلاثة أيام من العذاب المروع. الرومان كانوا يرمون الناس الذين يريدون قتلهم في الحلبات ويطلقون عليهم الاسود والنمور الجائعة ويجلسون في المدرجات يتفرجون عليها وهي تفترسهم طوال أيام وأيام. وفي زمن الاقطاعيات والأرستقراطية ,وطبقة النبلاء كان الملوك ينظمون مبارزات بالسيوف بين المحكومين أو بمعدات قتالية أخرى ,ويتركونهم يتعاركون حتى يقتل أحدهم الآخر ويحز رأسه ويتركه يتدلى من فوق جسده ويمنح القاتل الفائز فرصة جديدة للحياة حتى ظهور محكوم آخر , يدخل معه في مبارزة حتى الموت أيضا , يشاهدها النخبة وبعض العامة, وهنا ربما قتل من أعطى فرصة حياة جديدة , المهم ان المبارزات كانت تدور هكذا. وتعتبر نوعا من العبرة والردع للعامة ونوعا من المتعة للنبلاء. في الجاهلية كان الاعدام يتم بالثأر , وكان القتل فيه يتم بالسيوف .حرب داحس والغبراء كانت حرب ثأر ظلت نيرانها مشتعلة أربعين سنة , وسببها ثأر لبعير كان يراد له أن يفوز في السباق فأخفق ولم ينجح , فقامت القبيلة بالثأر له من بعير القبيلة الأخرى الذي فاز بالمركز الأول. نعود الى النائب العام حامد العثمان , الذي وجدته مرتاح البال والخاطر كما قلت, لأن من ارتكب جريمة كريهة ومقززة اخذ جزاءه ليكون عبرة , وهو تنفيذ حكم الاعدام به شنقا. وبصورة علنية. وويل لمن يزهق روحا بريئة.. ويله من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.