حين بدأت هذا الموضوع كنت أحمل اتهاما مسبقا لبنت هذه الأيام، فحواه أنها تهاونت في أنوثتها وتنازلت عن رقتها وعذوبتها وبدلت كل هذا بأسلوب خشن يحاكي أسلوب الرجال، بل انها أضافت عليه الكثير!! لم يعد الأمر يقتصر على ارتداء البنات لملابس يرتديها الشبان لكنه امتد الى السلوك والتفكير والميول!! لدرجة أن المعلمات في المدارس وأهالي البنات أصبحوا يشتكون ويصرخون: بناتنا أصبحن "مسترجلات" مظهرا وسلوكا. حين واجهت بنت اليوم بهذا الاتهام لم تنكره لكنها أشهرت في وجهي اتهاما آخر بأنها اجبرت على التنازل عن أنوثتها ورقتها ولم يكن هذا التنازل بكامل ارادتها، إنما كان عنوة وتحت شعارات ملتوية!! كان المدخل لهذا الموضوع طلبا من فتاة في السادسة عشرة ربيعا.. طلبت مني أن أوضح لها كيف تكون بنتا؟! بعد أن غضب منها والدها وأعطى لها فرصة لكي يشعر أن لديه ابنة وليس ابنا، فرغم أنها فتاة شبه متفوقة ورياضية، لكن والدها يشعر أنها تتعامل بخشونة وأسلوب لا يليق بفتاة، والغريب أنني حين تحدثت اليها صارحتني "منار" بقولها: أعلم أنني أتعامل بخشونة لكن أيضا (مش عارفة) أرجع أتعامل زي زمان، فقد كنت أتعامل برقة وأتحدث بصوت منخفض وكنت وديعة ورقيقة لكن زميلاتي في المدرسة كن يتهكمن علي وعلى أسلوبي ويوما بعد يوم.. وجدت نفسي أبتعد عن طباعي وأتحول الى سلوك جاف وطبائع تشابه الصبيان وأصبحت أردد كلمات يرددها اخوتي وأبناء عمي وبضمير المذكر وليس المؤنث ووجدت بعد ذلك صوتي أصبحت نبراته مسترجلة وأداء صبيانيا! فتاة عمرها 21 عاما، تتمتع بجمال يأخذ بمجامع القلوب وطول فارع، حين حدثتني شعرت أن عمرها 35 عاما وليس 21.. كانت الجدية لا تكسو فقط كلماتها لكن أيضا تعابير وجهها، وتتحدث بخشونة الشباب.. تقول: أعتبر نفسي فتاة مكافحة فقد عملت فور تخرجي من الثانوية لكي أعتمد على نفسي وأساعد أسرتي وهذا لا يضايقني أبدا بل يزيدني حرصا على دراستي الجامعية التي أنتظم فيها نهارا وأتفرغ مساء لعملي، لكن خروجي للحياة العملية جعلني أصطدم بمواقف كثيرة صعبة تجعلني أختلف تماما عما كنت عليه قبل عامين، فأصبحت أتعامل بجفاء وجدية جردتني من أنوثتي لكنها تدفعني للوصول لما أريد وتجعلني أثبت وجودي في محيط العمل.. فقاطعتها: @ حتى إذا قيل جمالك تغلفه خشونة ونبرات صوتك يشوبها القسوة؟ فقالت: هذا لا يضايقني اطلاقا فنحن نعيش في زمن تعس لابد معه من الخشونة والقوة كسلاح!! فسألتها: سلاح ضد من؟! فأجابت: ضد الرجل! لماذا؟ واعدت السوآل مرة أخرى لكي اتأكد من انني اسمع فقالت: للأسف الشديد نحن نعيش كندين في الحياة (البنت والولد)، وأكثر الشبان الآن أصبحوا طامعين في كل شيء تقع عليه عيونهم لذلك، لابد من استخدام سلاح يفهمه ويستوعبه لكي يقف عند حدوده وهذا السلاح للأسف هو العنف والقوة!! معنى أن تكون بنتا هل تحت شعار المساواة تفتقد البنت رقتها وأنوثتها؟.. سؤال وجهته للسيدة ه. الكثيري، فلديها بنتان وولد فقالت:المساواة في الحقوق والواجبات لكن ليس المقصود بالمساواة أن تفقد البنت سلوكيات انوثتها وتتنازل عن أجمل ما فيها، فالبنت رقة ووداعة وحسن تصرف وأشياء كثيرة وجميلة قد تفقدها البنت وتفرط فيها لأنها لا تريد أن تبذل مجهودا، فالعصر السريع علم الفتاة الاستسهال، في حين أن الفتاة لكي يطلق عليها هذا اللقب لابد أن تبذل مجهودا تجاه المحيطين بها وتتعلم كيف تكسب ودهم وتعطي كل من حولها من مشاعرها واهتمامها، فمثلا الاهتمام بواجباتها نحو والدتها شيء جميل ويحسب لها في حين أن البنت اليوم تلجأ لأسلوب التطفيش و"تكبير الرأس" كما يقولون، فلم نعد نسمع من بنات اليوم كلمة طيبة أو لطيفة ولاحظت أن كلام ابنتي الصغرى أصبح في منتهى الجفاء تجاه اخوتها، حتى اذا حكت نكتة تلقيها كالرجال وشعرت أنها أصبحت شخصية ثقيلة الظل مفتقدة للياقة والذوق حتى حين تتحدث مع زميلاتها أو صديقاتها على الهاتف أشعر بغيظ شديد لأنها تتحدث بمنتهى قلة الذوق وحين أناقشها في الموضوع تقول: هذا هو أسلوب الجيل الجديد فإذا تحدثت بأسلوب مهذب ستضحك علي صديقاتي وسأكون نكتة! الغريب أنني لا أتحدث بهذه الاسلوب الجاف، وحتى أخوها لا يتحدث بهذا الأسلوب البشع! لكن حين أحدثها تصرخ: هذا هو الأسلوب الأمثل للتعامل بين جيلنا وأنتم لا تفهمون؟!... فن التعامل مع النفس وسألت نهاد السبيعي "معلمة" عن رأيها في بنات اليوم فقالت: أعتقد أن ما تفقده كثير من الفتيات اليوم هو، فن التعامل مع الآخرين ومع النفس، بمعنى حين أرى بنتا أو رجلا أمام المصعد من يدخل أولا أو ما السلوك الذي يجب أن أتصرف به، ومع النفس بمعنى كيف أمشي، كيف أجلس، كيف أتناول وجبة؟.. والحقيقة بقدر ما هناك فتيات سعوديات يجدن فنون حسن التعامل بقدر ما تجدين أن هناك بنات لا يهتممن بأي شيء فنجد كثيرا من البنات يجلسن بطريقة غير صحيحة وغير لائقة وحين تتناول طعامها لا تتصرف بذوق، وعن نفسي أعتبر أن اهمال الفتاة في وزنها دليل على عدم تقديرها لأنوثتها.. ورقة الفتاة تمنحها الكثير، وأعني أن يكون هناك أسلوب راقيا للحديث والتعبير عما بداخلنا أو ما نريد ونطلب.. أيضا أرى شيئا مهما جدا للفتاة هو الوضوح والصراحة، فالكذب وعدم الوضوح يأخذ الكثير من صورة الفتاة المثلى. المطلوب.. فتاة متزنة وتقول الدكتورة "سوسن الغزالي" استاذ الطب السلوكي حول هذه المشكلة ان سلوكيات الابناء تعود غالبا لاهمال الاباء، فالاباء او الاهل عليهم دور كبير، وكذلك الاعلام، والمناهج وتقول: "يفضل ان يدخل منهج مبسط من الطب السلوكي للمراحل الدراسية المختلفة، مناهج ليس الهدف منها الدرجات، لكن لكي نعلم اولادنا كيف يسيرون في الحياة، بالحب والاقناع، فهذا النبت الاخضر محتاج ان يشق عوده على الاستقامة، المشكلة ان الفتاة التي اعتادت على الخشونة لن تكون في يوم وليلة نموذجا للنعومة والرقة، الشيء الثاني ان مثل هذا التوجيه لا يجب ان يوجه للفتاة في صورة امر بل يجب ترغيبها في هذه السلوكيات بهدوء، اي اننا نريد ان نوجه الآباء قبل الابناء، ونعلمهم فتح حوارات حقيقية مع الابناء، نريد من المجتمع وضع نموذج للفتاة، ويتم توضيح من هي الفتاة النموذجية التي يجب ان تكون قدوة امام عيون الفتيات؟!" وتعرف الفتاة القدوة او النموذجية: "بأنها الفتاة المتزنة في حياتها والتي تجمع بين النجاح في الدراسة وبين الاهتمام بقوامها ورشاقتها وشكلها والنجاح في تكوين علاقة جيدة مع المحيطين، وهذا التوازن يرجع للتربية على اساس الاستقلالية وعلى اساس ان الفتاة كائن له حقوقه وعليه التزامات فتنشأ شخصية متوازنة على جميع المستويات. وربما ازمة بنات اليوم اشد من اي وقت مضى لأنهن يعشن زمن المتناقضات وتتفاقم المشكلة في ظل عدم وجود توجيه سليم". وترصد د. سوسن صورة الفتاة في العقود الاخيرة قائلة: "صورة البنت يعكسها الاعلام، فنجد في الخمسينيات والستينيات كانت الفتاة الرقيقة والهادئة التي لا تناقش وتميل للطاعة، ومع دخول مجال العمل واثبات الذات دخل الجدل والجدية والاقناع العقلي، ولم تعد صورة الفتاة الرقيقة، ثم تطور الامر في الثمانينيات وظهر العنف في عالمها، فوجدنا البنت تلعب كاراتية وتقود الموترسيكل وتمارس الرياضة بصورة عامة، والرياضة شيء جميل ومفيد بلا شك، لكن الرياضة العنيفة تجعل المرأة مع الوقت تفقد انوثتها او تنسى انها انثى". وتستطرد قائلة: "الغريب ان افتقاد الانوثة والرقة امتد حتى وصل للغة الحوار، فنجد مستويات للحوار متدنية للتعبير عن الاستقلالية"! الشيء البشع الذي نراه هو انتشار عادة تدخين الفتيات للشيشة او "الارجيلة"، وهو شيء بشع من الناحية الصحية والمظهر معا، ويستهجنه الرجال، فحتى اذا كان صاحب المقهى رجل وكل العاملين عليه رجال، الا انهم بالتأكيد يستهجنون ذلك وينتقدونه، لانه مازال في وجدان الرجل ان الفتاة تلك الزهرة النضرة التي تفوح رقة وعذوبة وانوثة وليس رائحة دخان الشيشة او السيجارة.. وتتفق د. سوسن مع من يرى فئة من فتيات اليوم تبالغ في الاهتمام بمظهرها وانوثتها وتقول: "كما نرى نماذج من اهمال الانوثة والاهتمام بالمظهر، نرى نماذج اخرى تبالغ في الناحية المظهرية فترتدي ملابس بشكل معين وشعرها واكسسواراتها وماكياجها تكون كلها اشياء مبالغ فيها، وهذه ليست انوثة، فالانوثة تعني الوسطية، وتعني الاناقة دون تبذل وتعني ارتداء الشيء المناسب في المكان والوقت المناسب فما يصلح للسهرة لا يصلح للصباح وملابس الكلية تختلف عن ملابس المناسبات.." واخيرا تقول د. سوسن الغزالي ان التفكير السليم هو ميزان الفتاة التي تستطيع ان تجمع بين اجمل ما في ايام سيدات الامس واجمل ما في ايامنا دون اللجوء الى ان نعلق كل الاخطاء على الآخرين. فالتحصين لمواجهة بعض جوانب الحياة لا يعني ان تتنازل الفتاة عن كيانها الحقيقي.