هل صحيح أن جزءا من أسباب المشاكل والتحديات الاقتصادية المتراكمة في دول مجلس التعاون الخليجي يعود للافتقار إلى ديناميكية الإدارة الاقتصادية وبطء اتخاذ القرارات الهامة؟ كثيرا ما أثير هذا التساؤل في الماضي، وهو لا يزال يثار على أية حال، على الرغم من تفاوت حدة الإجابة عنه بين دول خليجية وأخرى. والشكوى تأتي عادة من القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، وحتى بعض المواطنين الذين تطالهم بعض الأحيان مضار ذلك التأخير او التردد في اتخاذ القرارات أو عدم وضوحها أو عدم الاستجابة الصحيحة للمشكلة القائمة. التطورات العالمية والاقليمية المتسارعة تحتم ان تسعى دول مجلس التعاون الخليجي الى ضرورة الاستجابة لما تفرزه من معطيات ومتغيرات متسارعة. وهذا لن يتأتى الا بوجود ادارة اقتصادية فاعلة وديناميكية تستقرئ تلك التطورات أولا بأول وتشخص انعكاساتها على اوضاعها الاقتصادية، وتبادر الى وضع التصورات والافكار للتعامل معها وعندما نقوم بزيارة احدى الدول الاسيوية التي قطعت شوطاً كبيرا في تجاربها التنموية يمكنك ان تلاحظ بوضوح ومن على صدر صفحات جرائدها اليومية واعلامها المسموع والمرأى كيف ان كافة شؤون الحياة الاقتصادية الاستراتيجية والتفصيلية مطروحة للحوار والمداولة ابتداءً بأجهزة الدولة ووصولاً الى فئات المواطنين. وكيف ان المعلومات التفصيلية حول هذه الشؤون مكشوفة ومعروفة دون لبس ومواربة. وكيف ان المجال مسموح للتعاطي معها.. وكيف اول ما يبرز تطور جديد يمس الاقتصاد تشكل الاجهزة المتخصصة التي تتعامل معه استعداداً لاتخاذ القرارات الضرورية بشأنه.. وكيف.. وكيف. فلماذا تختفي هذه المظاهر عندنا.. ولماذا الفراغ والبطء في التعامل مع شؤوننا الاقتصادية. وغني عن القول ان هذه الظاهرة باتت تتضاعف خطورتها بالنظر لانفتاح المجتمع على الخارج وتدفق التطورات والمتغيرات الذي يتطلب معها قدراً كبيراً من الديناميكية والابداع والمبادرة. ان لهذه الظاهرة باعتقادنا اسبابا عديدة منها ما يتعلق بالخلل الموجود في إدارة الاقتصاد ككل، ومنها ما يتعلق ببعض الظواهر والمشاكل التي يعاني منها القطاع العام بالذات، ومنها ما يتعلق بغياب المؤشرات والمعايير التي تقييس الأداء الاقتصادي وترشد اتخاد القرارات من قبل صناعي القرار. وفيما يخص الأسباب المتعلقة بإدارة الاقتصاد، يبرز أمامنا أولا غياب الاستراتيجية الواضحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، والتي يمكن اخذ فلسفتها واهدافها ومعاييرها كأساس لقياس كيفية التعامل مع المعطيات والمستجدات، والتي على أساسها يمكن اتخاذ القرارات. وسبب ثان للقصور في إدارة شؤوننا الاقتصادية هو ضعف الكوادر الفنية المسؤولة والقادرة على التعامل مع هذه المعطيات والمستجدات بروح ابداعية ومبادرة في العديد من الأجهزة الحساسة والهامة للاقتصاد. كما أن هناك ثقافة متراكمة لدى البعض من هذه الكوادر وعلى أعلى المستويات في تجنب الميل لتحمل المسئولية وتفضيل مباركة من له علاقة مباشرة او غير مباشرة بالقرارات الصادرة. كما ان القطاع الخاص بدوره لا يسعى بالجهد المطلوب من اجل تكريس دوره في التنمية الاقتصادية مما يفقد مسار الابداع والابتكار احد اعمدته الرئيسية. وعلى الرغم من رفع شعار أن هذا القطاع هو شريك في التنمية، وأنه المفترض أن يحمل لواء التنمية خلال الفترة القادمة، الا أنه لا يزال بعيدا عن تحقيق هذا الهدف، كما أن العديد من القرارات والمشاريع الحيوية لا تزال تصدر بدون مشاورته والتحاور معه. وسبب آخر للقصور هو ان هناك نقصا واضحا في الشفافية والافصاح عن المتغيرات والمعلومات التي تهم التطور الاقتصادي والاجتماعي بما يفسح المجال امام تعاطي الاكاديميين والخبراء والمهتمين بها من مواقعهم المسؤولة. كذلك، فان المجتمع بحاجة الى تقوية وتعزيز اجهزة البحث الاكاديمي والعلمي والمهني التي تهتم بدراسة كافة شؤون المجتمع وتضع الدراسات والبحوث والمسوحات الميدانية التي تتخذ كأساس للاسترشاد بها في توجيه دفة المجتمع وعجلة نموه، وتمثل منتديات للتفكير والحوار think tank والمساعدة في التوصل للقرارات. وعندما ننتقل الى مستوى آخر من أسباب تلك الظاهرة والمتعلقة بالقطاع العام تحديدا، نلاحظ أن تصاعد الدعوات التي يطلقها فريق من الاقتصاديين للتسريع في تنفيذ برامج التخصيص كعلاج لوجود مظاهر الروتين والبيروقراطية وضعف الانتاجية في مرافق هذا القطاع. الا أن فريقا آخر وعوضا عن ذلك، يفضل إطلاق دعوات التحديث والتطوير الاداري وذلك من اجل تحسين اداء القطاع العام وزيادة كفاءته ليثبت جدارته وسط المتغيرات الاقتصادية الاقليمية والعالمية. ان موضوع التحديث الاداري كطريق لتفعيل ديناميكية إدارة الاقتصاد، وترشيد استخدام الموارد هو موضوع هام، ويمثل مظلة لشيء أهم وهو رفع اداء الاجهزة الحكومية، حيث ان رفع ادائها هو الهدف النهائي وهو احد المطالب الهامة لقطاع رجال الأعمال والمواطنين والمستثمرين الأجانب. كما ان وجود مجتمع مدني فاعل بعيد عن المظلة الرسمية من شأنه أن يسهم دون شك في تكوين رأي عام له القدرة على رفع درجة اهتمام المجتمع بموضوع الاصلاح على كافة الاصعدة. كما ان اطلاق حرية الصحافة والاعلام مما يتيح للقنوات الاعلامية نقل كل الآراء سيكون من شأنه تشكيل جهة رقابية مستقلة للاجهزة الحكومية ومن ثم الدفع بترشيد القرار الاقتصادي. وأخيرا ننتقل للحديث عن أهمية وجود مؤشرات كلية وقطاعية لاداء الاقتصاد الوطني في تفعيل ديناميكة اتخاذ القرارات وترشيد استخدام الموارد، وهو موضوع على جانب كبير من الاهمية في ترشيد وتفعيل وكفاءة وديناميكية القرار الاقتصادي. ان التطورات العالمية والاقليمية المتسارعة تحتم ان تسعى دول مجلس التعاون الخليجي الى ضرورة الاستجابة لما تفرزه من معطيات ومتغيرات متسارعة. وهذا لن يتأتى الا بوجود ادارة اقتصادية فاعلة وديناميكية تستقرئ تلك التطورات أولا بأول وتشخص انعكاساتها على اوضاعها الاقتصادية، وتبادر الى وضع التصورات والافكار للتعامل معها، وتدرك أيا من الاجهزة قادرا على التعامل معها، بل وتبادر الى وضع اجراءات تخطيطية تسعى لاستباق اثار تلك التطورات وتتحاشي سلبياتها، مع الاستفادة من ايجابياتها. اننا بحاجة بالفعل الى احداث طفرة كبيرة في مفهومها وممارستنا لادارة شؤوننا الاقتصادية.