تشكل الفلسفة المادية البنية الفكرية التحتية او النموذج المعرفي الكامن للعديد من الفلسفات الحديثة: الماركسية والبرجماتية والداروينية، كما انها تشكل الاطار المرجعي الكامن لرؤيتنا للتاريخ والتقدم وللعلاقات الدولية، بل واحيانا لا نفسنا، وقد ارتبطت الفلسفة المادية في عقول الكثيرين بالعقلانية والتقدم والتسامح.. الخ. واعتقد انه قد حان الوقت لفتح باب الاجتهاد بخصوص هذه الفلسفة، نظر لاهميتها وهيمنتها على بعض اعضاء النخب الثقافية والفكرية. ويمكن تصنيف هذا الكتاب باعتباره محاولة في هذا الاتجاه. وقد خصص الفصل الاول (الانسان والمادة) لتعريف الفلسفة المادية وسر جاذبيتها ومواطن قصورها، كما يعرض الفصل نفسه، في بدايته، للظاهرة الانسانية وسماتها الاساسية. ويقوم الفصل الثاني (اشكالية الطبيعي والانساني) بتوضيح الفروق الاساسية بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الانسانية وفشل الفلسفة المادية في تفسير ظاهرة الانسان، بل ويذهب هذا الفصل الى ان هذه الفلسفة تشكل هجوما على الطبيعة البشرية. ويتناول الفصل الثالث (العقل والمادة) مفهوم العقل، فيبين ان العقل في حد ذاته مفهوم عائم غائم وان المهم هو النموذج الكامن وراء العقل. وانطلاقا من هذا التصور تحاول هذه الدراسة حصر اهم سمات العقل المادي، كما تحاول توضيح الفرق بين العقل الادائي والعقل النقدي. ويتناول الفصل الرابع (المادية في التاريخ) بعض التجليات التاريخية للفلسفة المادية، فيبين ان العلمانية الشاملة والامبريالية والدروينية هي كلها تجليات متنوعة للفلسفة المادية. اما الفصل الخامس (الترشيد والقفص الحديدي) فيتناول الترشيد او العلمنة بمعنى اعادة صياغة المجتمع والانسان في الاطار المادي، وكيف ان هذا يؤدي في نهاية الامر الى تنميط الحياة ووهم التحكم الكامل فيها. والفصل السادس هو امتداد لهذا الفصل، فنهاية التاريه هي في واقع الامر النقطة التي يتخيل البعض انها النقطة التي يتم التحكم فيها في معظم جوانب الحياة بحيث يصبح المجتمع كآلالة الرشيدة، يوتوبيا تكنولوجية، وقد ميزت الدراسة في الفصل الثاني بين المساواة والتسوية على المستوى النظري. والفصل السابع (العنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة) هو محاولة لتطبيق هذا المفهوم على ظاهرة العنصرية الغربية. والفصل الثامن والاخير (المادية والابادة) يبين كيف ن الرؤية المادية هي رؤية ابادية في جوهرها، ويطبق الفصل هذا التصور على ظاهرة الابادة النازية لليهود، وغيرهم من الاقليات. وهذه الدراسة شأنها شأن معظم الدراسات في الآونة الاخيرة تستخدم النموذج المعرفي اداة تحليلية فتقدم دراسة في النموذج المعرفي المادي في حد ذاته ثم في تجلياته النظرية والتاريخية المختلفة وبالتالي فالدراسة لا تأخذ خطا مستقيما تراكميا وانما تأخذ شكل بؤرة (النموذج التحليلي) تتفرع منها وتعود اليها كل الموضوعات. وهذه الطريقة تبين الوحدة الكامنة (المادية وتفكيك الانسان) خلف التنوع (الدراسات المختلفة) ولكنها قد تؤدي الى بعض التكرار وقد بذلت جهدا كبيرا لتحاشي ذلك او التقليل منه. ومعظم مادة هذا الكتاب تنشر لاول مرة ولكن بعضها نشر قبل ذلك اما على هيئة مقالات او في كتب ولكن المؤلف وجد ان جمعها كلها في كتاب واحد يدور حول موضوع واحد مع توضيح النموذج المعرفي الكامن وراء كل الدراسات سيساعد كثيرا على توضيح الاطروحة الاساسية في الكتاب ويبرر اعادة نشر هذه المادة. ويبقى هذا العمل اجتهادا اوليا وكما يقول المؤلف ارجو ان نكون قد اصبنا في بعض نقاطه ان لم نصب في جميعها وان يكتب الله لنا اجري الصواب، والا فلعلنا لا نحرم الاجر الواحد. الكتاب: الفلسفة المادية وتفكيك الانسان المؤلف: عبدالوهاب المسيري الناشر: دار الفكر بيروت عدد الصفحات 224 صفحة من القطع الوسط