السقوط أمام تجمع كبير من الناس في مناسبة مهمة وذلك لعدم القدرة على الاستمرار في الوقوف والتلعثم في الحديث خلال موقف من الضروري ان تعبر فيه عن نفسك او مكان تنتسب له بشكل جيد يفقدك فرصة وظيفية او كسب موقف معين ما تمثل صورا متكررة نشاهدها في العديد من المواقف ويضيف الدكتور/ طارق بن علي الحبيب الاستاذ المشارك والاستشاري ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب والمستشفيات الجامعية بالرياض ومستشار الطب النفسي يعرف هذه الحالة بانها نوع من الرهاب الاجتماعي وهي حالة مرضية تحدث عند بعض الأفراد دون وجود ما يبرر ذلك، حينما يكونون محط نظر وتركيز الآخرين مثل: عدم القدرة على التحدث في المناسبات الاجتماعية او امام المسؤولين او في أي مناسبة يكون الفرد فيها محط تركيز ونظر الآخرين. وتشمل اعراض هذه الحالة المرضية التلعثم في الكلام او عدم القدرة على الكلام أحيانا، واحمرار الوجه والرعشة في الأطراف وخفقان في القلب والتعرق وجفاف الحلق وزغللة النظر وشيء من الدوار، والشعور بعدم القدرة على الاستمرار واقفا وربما الغثيان أحيانا. ويقول دكتور الحبيب ان خوف هذا النوع من المرضى يتركز في خشية الوقوع في الخطأ وما يعتريه من ارتباك امام الآخرين، كما يزداد خوفه كلما ازداد الحاضرون. وليست كثرة الناس شرطا لحدوث الرهاب الاجتماعي اذ انه ربما يحدث الرهاب للمريض عند مواجهة شخص واحد فقط. وتزداد شدة الرهاب كلما زادت أهمية ذلك الشخص مثلما يحدث عند حوار مريض الرهاب الاجتماعي مع رئيسه في العمل، وقد تحدث الأعراض عند المريض في كل مناسبة اجتماعية. في حين تتركز عند بعضهم في مواجهات محددة دون سواها.ويوضح دكتور الحبيب ان الخوف البسيط قبل أي لقاء اجتماعي يعتبر امرا طبيعيا ومقبولا إلا انه يصبح خوفا مرضيا اذا تعدى حده وبدأ يظهر على الفرد الاعراض السابقة، او أدى ذلك الشعور الى اعاقة الفرد وعدم قدرته على القيام بواجباته الاجتماعية، وقد يضطر مريض الرهاب الاجتماعي الى برمجة حياته تبعا لمعاناته فتجده يتجنب حضور المناسبات الاجتماعية او قد يحضر مبكرا الى أي مناسبة اجتماعية كي يتخلص من الدخول ومواجهة الجميع والسلام عليهم لو حضر متأخرا، كما انه قبل حضوره أي مناسبة اجتماعية يسأل عن: عدد الحضور؟ ومن هم؟ وهل يحتمل ان يضطر الى التحدث أمامهم؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يحتاط بها لنفسه كي لا يقع تحت مجهر النقد والملاحظة من قبل الآخرين.وحسب الدراسات الغربية فانه يتساوى انتشار هذا المرض بين النساء والرجال وتتراوح نسبة حدوثه بين 911% من البالغين. اما في المجتمعات العربية فان هناك دراسات متفرقة تم تطبيقها في المستشفيات وليس في المجتمع، ولذلك فانها لا تعكس حقيقة انتشار هذا المرض. لكنه اعتمادا على خبرة الأطباء الاكلينيكية فان هذا المرض في رأي الدكتور الحبيب يبدو أكثر انتشارا في مجتمعاتنا العربية، ويعزو ذلك في جانب منه الى أسلوب التربية في الطفولة وعدم احترام وتقدير شخصية الطفل الى حد ما عند بعض الأفراد وكذلك عدم تشجيع الأطفال على المبادرة والتعبير عن أنفسهم هو احد أسباب حدوث الرهاب الاجتماعي في مجتمعاتنا. وأشار الى ان هذا المرض في مجتمعاتنا العربية عند الرجال أكثر من النساء والذي ربما يعود عدم ظهوره جليا عندهن الى طبيعة دور المرأة في مجتمعاتنا حيث لا تتطلب منها الأعمال التي تواجه فيها عددا كبيرا من الناس مثل ما يتطلب من الرجال، بالاضافة الى ان بعض أعراض هذا المرض قد يفهم البعض خطأ انها مظهر من مظاهر الحياء. ويبدأ الرهاب الاجتماعي عادة في آخر فترة المراهقة ويستمر لفترة ليست بالقصيرة، كما قد يؤدي الى اضطرابات نفسية اخرى كالاكتئاب والخوف او الإدمان على الكحول والمخدرات سعيا في الهروب او التخفيف من المخاوف وليس شرطا ان يعاني المريض من جميع الأعراض التي اسلفناها فربما عانى من بعضها فقط كما انه ليس شرطا لحدوثها ان يواجه الفرد الآخرين بل ربما كان مجرد التفكير في ذلك كافيا لحدوث شيء من تلك الأعراض وقد يفشل المريض أحيانا في ضبط نفسه نظرا لشدة الحالة فينتهي به الأمر الى عزلة اجتماعية تامة، فيصبح وكأنه السجين بلا قيود.ويؤكد دكتور الحبيب ان نسبة الشفاء من المرض تكون أكبر كلما تأخرت الاصابة به وليس هناك مرض نفسي مصاحب وكان مستوى تعليم المريض عاليا وحرص على التبكير في العلاج. لكنه يقول ان سبب مرض الرهاب (الخوف) الاجتماعي لا يعرف حتى اليوم على وجه التحديد إلا ان بعض الباحثين يشيرون الى ان الخوف من تقييم ونقد الآخرين هو سبب هذا المرض، في حين يرى آخرون ان هذا الأمر ربما كان عرضا للمرض وليس سببا له، كما افترض آخرون وجود أسباب بيولوجية لما لاحظوه من استجابة بعض المرضى للعلاج بالعقاقير. اما علاج الرهاب الاجتماعي فيتم في جلسات العلاج النفسي وخصوصا العلاج المعرفي السلوكي والعلاج العقلاني الانفعالي حيث يتم فيه تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المريض وتدريبه على بعض الأساليب وطرق المواجهة والحديث أمام الآخرين، والتي تشمل التدريب على مهارات التغلب على الضغوط النفسية وكذلك تمارين الاسترخاء ويتم تطبيق هذا اللون من العلاج في جلسات فردية بين المريض والمعالج كما يمكن تطبيقه في جلسات جماعية يكون فيها المعالج مع مجموعة من المرضى. والطريقة الثانية تتمثل باعطاء المرضى بعض الأدوية النفسية التي ثبت نجاحها في علاج هذا المرض، كما يمكن استخدام بعض الأدوية لعلاج أي مرض نفسي مصاحب. ويشكو بعض المرضى من خفقان في القلب حينما يكونون محط أنظار الآخرين ومنهم من يشكو من التعرق والرجفة ونحو ذلك وهو يتحدث أمام الآخرين والبعض يرفض أية ترقية وظيفية قد تجعله في مواجهة مع رؤساء العمل والمراجعين. وأخيرا فانه مما يحزن قلب الطبيب النفساني ان يرى عددا ليس بالقليل من بني أمته يعانون من الرهاب الاجتماعي ولا يعرفون انها حالة مرضية يمكن علاجها بإذن الله.