عالم الجن حقيقة لا جدال بها فهي مخلوقات أثبتها الله في كتابه الكريم ” وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون”. والإيمان بوجود هذا العالم واجب على كل مسلم كالإيمان بالملائكة والرسل ويوم الحساب . ولكن هل من المعقول أن تنسب أي خرافة أو جهل أو حتى موت أو فساد وسرقة المال العام لهذا العالم الغيبي . الأمثلة على ذلك كثيرة ولكن نختصرها بحادثتين الأولي ما نشر على بعض مواقع الصحف الإلكترونية مؤخرا أن أمرآة أربعينية بالمدينة المنورة قد توفيت بسبب الجن وذلك عندما وجدت أنها ضربت نفسها وحرقت أجزاء من جسدها حتى الموت وذلك بعد إصابتها بمس من الجن . وهذه الإفادة الرسمية عن سبب وفاة هذه المرآة رحمها الله. وبكل حسن نية وحبا للخير وعلى البركة تبرع أحد الرقاة جزاه الله ألف خير ووجد الحل وذلك بعد أن نصح أسرة المرآة المتوفاة أن يغيروا مسكنهم فالبيت مسكون بالجن لا محالة وخصوصا وأن أغلبية الأسرة تعاني من هذا المرض .ولكن هل هذا هو الحل الأمثل لهذه الحادثة ؟ عندما يدقق أي عاقل بهذا الخبر يجد ببساطة أن المرآة توفيت منتحرة ولكن لم يعترف أحدا بهذه المشكلة ولم يجهد أحدا نفسه ببحث دوافع أو أسباب هذا الانتحار من عوامل نفسية أو ظروف معيشية تعيسة واجهتها هذه المرآة وقادتها إلى الانتحار لم نفكر أين دور مستشفياتنا النفسية عن علاج هذه الحالة ومثيلاتها وإلحاقهم بها ومعالجتهم حتى لا يستفحل أمرهم ويصبح ظاهرة خطيرة بالمجتمع .. أن أفراد أي مجتمع معرضين لضغوط الحياة ومشاكلها ونسب الانتحار بازدياد خلال السنوات الماضية عالميا. ومجتمعنا ليس مجموعة مخلوقات كونية تختلف عن بقية البشر ولكن لماذا كل وجع الدماغ هذا استحداث مستشفيات إضافية ومنتجعات راقية قد تكلف الكثير لمعالجة الأمراض النفسية الخطيرة وتعزيز دور الأخصائيين النفسيين والصرف على تكاليف الأبحاث عن الأسباب الحقيقية لهذه الأمراض والتي قد تؤدي إلي الانتحار كما حصل مع هذه المرآة إذا كان المجتمع بهذه البساطة والسذاجة وينسب الكثير من الأمور إلى المس بالجن؟ . لماذا لا تقذف هذه الجريمة إلى أصدقائنا الوفيين أحد الجن العزيزين و الذي سبق وأن تحمل بنى جنسه أعمالا جبارة تفوق هذا الحدث البسيط . (وهذه الحادثة الأخرى الأكثر شهرة ودعابة واستخفافا بعقول الأنس والجن ) أليس أحد الجن الأشاوس والمتخصص في سرق الأموال العامة والأراضي وفى عز الظهر تلبس (حسبي الله عليه ونعم الوكيل) أحد (الأخوة) وأخذ بيده رغما عن أنفه ليوقع على بعض الصكوك والمستندات الغير نظامية. ولطف الله بعباده أن هذا الجني كان من نوعية الجن الذين يتصفون بالقناعة وقد تكون (الدلاخة) ولم يأمر إلا بنهب بضع من ملايين الريالات وعدد محدود من الأراضي وليس كما من المليارات والمحميات. و تقبل المجتمع بكل سعة ورحابة صدر هذا التبرير من الأخ وحمل هذا الفساد الخطير إلى الجني الملعون الشرير الكافر وأكال عليه سائر أصناف اللعنات والشتائم لأنه قد أوقع أخونا بعمل منه براء وكاد أن يشكك بمصداقيته وأمانته ونزاهته. لا أعرف ماهي المصائب التي سوف نشغلك بها مستقبلا أيها الجني المسكين ولكن توقع منا كل جهل في عقولنا وكل تخلف في ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وكل دجل في ذاتنا وقصور في قدراتنا فأنت الجن ونحن الأنس عالمين مختلفين كل له أسراره التي لا يعلم بها إلا خالقنا , ولكن هذا قدرك معنا فنحن كما تعلم لنا خصوصية حتى مع الجن .