عالم الجن وما يثار عنه من غرائب وعجائب يطرح كثيرا من التساؤلات حول القصص التي تثار من وقت إلى آخر في هذا الجانب الذي بات يشغل الكثيرين في وقتنا الراهن. «الدين والحياة» طرح تلك القضية الشائكة على مجموعة من أهل العلم والفكر والاختصاص للتحدث عن حقيقة وجود الجن وما يثار حولها، فإلى التفاصيل: يوضح عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عمر بن سعود بن فهد العيد أن الله سبحانه خلق الخلق وجعلهم عالمين إنسي وجني فقال تعالى «وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين». وقال الدكتور العيد ل «الدين والحياة» إن مبالغة القراء ليس عليها دليل، فالجن لا ننكره لكن لا نقول كل مرض هو بسبب الجن وكل مصيبة تحدث هي بسبب الجن، وهذا كلام باطل وليس صحيحا ويجب أن يعلم أن مما يصاب به الناس أنواع، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تكلم في كتابه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) في قضية الجن وارتباطهم بالناس؛ ذكر أن هذا له عدة أمور فقسم منها ما يكون عن طريق السحر فيذهب إلى الساحر فيسلط الجن على الإنسي فيؤثر عليه بإذن الله، وقسم آخر هو بسبب العشق والمحبة، والقسم الثالث يكون بسبب أن الإنسي أضر بالجني كما هي قصة الصحابي رضي الله عنه وأرضاه الذي دخل بيته وكان بعد غزوة من الغزوات فوجد امرأته عند الباب، فسأل لماذا فقالت دونك تعني له بالدخول فلما دخل وجد ثعبانا على بابه أو على فراشه فقتله ثم التف عليه الثعبان فقتله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذه البيوت فيها جنان، ثم أمر صلى الله عليه وسلم إذا وجد الثعبان في البيت أن يستعاذ بالله منه وألا يقتل لأول مرة، ودل ذلك على قضية أنه آذاه، والقسم الآخر يكون من باب تلاعب الشياطين بالإنس، وهذه كلها أمور وحقائق موجودة قد أثبتها أئمة السلف كلهم كالإمام أحمد وغيره. أكد أستاذ العقيدة والدراسات العليا في جامعة أم القرى والمدرس في المسجد الحرام الأستاذ الدكتور علي بن نفيع العليان أن الإيمان بوجود الجن من قطعيات الدين ومنكره كافر مرتد لتكذيبه لصريح القرآن الكريم والسنة، قال تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» وقال سبحانه «قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا» وغيرها من الآيات الكريمة التي ذكرت ذلك. وقال صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري «إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولاشيء، إلا شهد له يوم القيامة» وهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه وغيره من الأحاديث التي ذكر فيها أن الجن يسمعون ويأكلون، ومن طعامهم العظم وروث الدواب كما ثبت في صحيح البخاري. وأوضح ل «الدين والحياة» قائلا: أما دخول الجن في بدن المصروع أحيانا فقد ذكر فيه قصة المرأة السوداء التي اختارت الصبر على الشفاء من الصرع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وعدها الجنة على الصبر. وبوب البخاري على هذه القصة فقال (باب فضل من يصرع الجن)، وقال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي (إن أقواما يقولون إن الجني لا يدخل في بدن المصروع فقال يا بني يكذبون). وقال ابن تيمية (دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع)، لكن ينبغي أن يعلم أن هناك فرقا بين من ينكر وجود الجن أصلا ومن ينكر دخوله في بدن المصروع؛ فالأولى قطعية متواترة، والثانية لا يكفر المخالف فيها ففيها نوع خفاء في الاستدلال، ولكنه مخطئ لاعتماده على عقله القاصر وتركه للأدلة الشرعية وأقوال سلف الأمة. وإنكار دخول الجن في بدن المصروع إنما هو قول طائفة من المعتزلة، وربما وافقهم عليه بعض الباحثين والأطباء المعاصرين. ومما ينبغي أن يعلم أيضا أنه ليس كل صرع سببه أخلاط روحية أو أمراض في الأعصاب أو نحو ذلك، قال ابن القيم رحمه الله (الصرع صرعان؛ صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الرديئة). وقال عن صرع الجن وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة. مخالفة الحقائق منسق كلية العقيدة وأصول الدين في جامعة أم القرى في مكةالمكرمة الدكتور إسماعيل الميمني، بين أن الجان خلق من خلق الله تعالى وهو موجود منذ الأزل وثبت ذكره في كتاب الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الثقلين الإنس والجن جميعا، والله تعالى يقول في كتابه «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». فالجان موجود ويحاسب يوم القيامة وهو مدعو إلى الديانة كما دعي الإنس كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبتت له عدة مواقف في عدة أماكن وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه حينما ولاه النبي الكريم على الصدقة ثبت أيضا في ذلك الموقف أن الجان موجود، ولا أحد ينكر وجوده إلا من أراد أن يخالف حقيقة شرعية ثابتة بوجود الجان وأنهم يبعثون يوم القيامة ويحاسبون. وأضاف: أما التلبس فهو موجود أيضا، لكن لا نطلقه على عمومه في كل ما يتعرض له الإنسان من مواقف فيحيلها إلى الجان، وإنما الجان مسخر وهو خلق من خلق الله تعالى لإيذاء الإنسان وعندما دخل أحد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه أصيب بعين من أحد الموجودين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء اغتسل فيه أحدهم فرشه على المصاب وبرئ، وهذا الذي حصل ما هو إلا من جان فالتلبس موجود لكن جميع ما يحصل للإنسان من مشكلة أو مرض فينسبه إلى الوارد أن يكون موجودا كما أننا لا نستطيع أن نثبت ما لم نر أو ندرك لأنه قد يكون غير موجود، لكننا نقول إن العين والجن والسحر ثابت في الشريعة الإسلامية بشكل قاطع وتأثيرها على الإنسان ثابت أيضا لكن تطبيقه هو الخلاف، واستغلال الناس في هذا الباب أو بيع الوهم لهم وارد لكن استسلام بعض الناس لوهم السحر والعين والجن هي ظاهرة غير صحية، وفيها تأل على الله تعالى وفيها استبعاد لبعض الأسباب المعروفة والمشروعة مثلا قلة الإيمان سبب للضيق والكدر واردة شرعا، فليس بالضرورة أن يكون ذلك بسبب العين وغيره فهذا خطأ، فهناك أمراض عضوية أو نفسية أو ضغوط في الحياة فهي أمراض يتعرض لها الإنسان بطبيعة الحال، فهو معرض لأمراض منوعة فكل هذه الأمراض إما أن تصنف كخلل في تكوين الإنسان بطبيعته أو يكون من ناحية الجان إذا كانت هناك علامات خاصة تعرف في المتلبس به بقراءة القرآن عليه فإذا ظهرت هذه العلامات عند المتخصصين في هذا المجال وهي ليست مسألة مفتوحة للجميع وإنما هناك من تخصص في مجال القراءة على الناس لمعرفة ما إذا كان هناك تلبس أو غير ذلك فإن ثبت ذلك فهناك طرق متعددة لقراءة القرآن وبعض الأذكار والتحصينات ويخرج بها الجان بإذن الله تعالى من بدن هذا المتلبس به. حجج واهية وأما من ينكر وجود الجان أو من يقول إن هذا ليس موجودا في عصر التقدم وخلافه فإن حججهم واهية ولكن الجان موجودون بما أثبته الله تعالى في كتابه وما ورد عن رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله أيضا: فضلت على الأنبياء بخمس وذكر منها «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الثقلين» ومعناه أنه مبعوث للإنس والجن فهم موجودون، أما من ينكر وجودهم أصلا فكلامهم هذا مردود عليهم والتلبس أيضا موجود وفقا لما ذكرنا آنفا، وأيضا هناك حديث المرأة التي كانت تصرع وتتكشف فسألت النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء لها فقال لها إما أن تصبري ولك الجنة أو أدعو الله لك وتشفين فقالت أصبر ولي الجنة، ثم سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يسترني عندما أصرع فدعا لها فكانت إذا صرعت لا تتكشف. فرق بين المسألتين عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور سعيد بن ناصر بن سعيد الغامدي يقول: هناك فرق في مسألة وجود الجن من ناحية وتأثيرهم على الإنس من ناحية أخرى، أما وجودهم فلا ينكره مسلم ومن أنكره فقد كفر، ووجودهم منصوص عليه في الكتاب والسنة كما قال الله تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» وقوله تعالى «قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن» وقال النبي صلى الله عليه وسلم «بعثت إلى الجن والإنس». فجانب وجودهم لا ينكره مسلم ومن أنكره فإنه يكذب نصا مقطوعا به في القرآن أما أثرهم على الإنس فهذا هو الذي يقع فيه الاختلاف بين المسلمين فالناس فيه ما بين الجافي والغالي ومتوسط، فالذين يغالون هم الذين ينسبون كل ما يحدث للإنسان إلى الجن أو أثره وهذه مبالغة ممقوتة وغير صحيحة ومن الناس من ينكر أي تأثير لهم على الإنسان وهذا أيضا تقصير وتفريط وممقوت وغير لائق شرعا، والصحيح أن الجن أو الشياطين لهم تأثير على الإنسان ويؤثرون عليه ومما يدل عليه أننا أمرنا شرعا بالتحصن منهم، وأمرنا باتخاذ الحيطة منهم كما جاء في الأحاديث عن آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين. وأما من ينكر مرضا معينا أنه بسببهم ونحوه فأمر عادي، لكن أن ينكر وجودهم مطلقا فهذا مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة لأن الذي عليه مذهب ومنهج أهل السنة والجماعة وعليه قول السلف أنه يصرع الإنسان ويدخله الجن فالله تعالى ذكر ذلك في القرآن بقوله «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس» وهذا دليل على أن الشيطان يتخبط الإنسان ويمسه، فإنكار أنه لا يدخل في الإنسان ولا يؤثر فيه غير إنكار الوجود، فليس هناك مسلم ينكر ذلك ومن ينكر وجودهم ليس مسلما لأن إنكاره قطعي، لكن من ينكر تأثيرهم إن كان ينكر في شيء محدد كأن يصف المريض بأن لديه مرضا عضويا أو خللا في الدماغ أو كهربية وما شابهه ويستبعد المس وغيره؛ فهذا لا بأس به، فالإنكار القطعي بدعة ومخالف لما عليه أهل السنة والجماعة. استحالة الدراسة الاستشاري ورئيس قسم الصحة النفسية في مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني في الرياض الدكتور عمر بن إبراهيم المديفر أوضح أن الجن والسحر والعين كلها ظواهر غيبية غير قابلة للإدراك الحسي بشكل مباشر وواضح، لافتا إلى أنها موجودة في كل الثقافات وكل المعتقدات الدينية لكل الأديان تقريبا وأن إيماننا بها ناتج عن معتقد شرعي ثابت بوجود خلق اسمه الجن وهذا الجن له أثر على الإنسان وهذا ثابت بطرق متعددة وقال ل «الدين والحياة» إن الإشكال في مسألة عدم ثبوت الشيء علميا، أولا؛ أنه لا يمكن دراسة كل الظواهر علميا، فهناك ظواهر كثيرة لا يستطيع العلم دراستها لأن العلم محدود بطرقه، فالعلم يتكلم عن الظواهر بشكل محدد وهناك ظواهر كثيرة يتفق الناس على وجودها لكن العلم لم يستطع الوصول إلى تفاصيلها؛ مثل توارد الخواطر والأحلام وسبب وجودها وغيرها من الأمور التي من المؤكد وجودها لكن القدرة على دراستها علميا محدودة، لأن آلة العلم لا تسمح إلا بدراسة ظواهر محدودة جدا، هذا من ناحية عدم وجود دلائل علمية على وجود الجن. وثانيا؛ هناك موضوع آخر في هذا الباب وهو أني أتصور في هذه القضايا أن النافي كالمثبت فالنافي يجب عليه أن يثبت عدم وجود هذه الأشياء كما أن المثبت عليه أن يثبت وجودها، فنحن نقول دائما إن هذه الأشياء مردها إلى الحكم الشرعي لأن الشرع هو الذي جاء بالحكم في هذه الظواهر الغيبية، ولا يوجد في المجتمع العلمي نقاش علمي في هذه القضايا ولا يوجد رفض لها إطلاقا بل بالعكس توجد بعض المدارس العلمية التي تؤمن بوجودها، أما ماحصل من المدرسة المادية التي تنكر كثيرا من الأشياء فهذا أمر تجاوزه الزمن وأصبحت الآن المدرسة المادية في طي النسيان على اعتبار أن هناك كثيرا من الظواهر التي لا يستطيع العلم دراستها، أما أثر الجن على الإنسان فهذا ما أكدته الشريعة وليس قابلا للدراسة العلمية لأننا نستنكر أن كثيرا من الناس يضخم ظاهرة العين والجن والسحر فيعطيها وجودا غير مبرر وكثيرون يعتقدون أنهم مصابون بالعين أو بالجن أو السحر فلا توجد دلائل شرعية ثابتة على كيفية الكشف على السحر والعين ولا الجن، لكن يوجد استقراء لبعض أهل العلم، مع العلم أنه لا توجد دلائل شرعية ثابتة تعطينا آلية لمعرفة ما إذا كان الشخص معيونا أو متلبسا به أو غير ذلك، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سحر لم يدر أنه مسحور إلا بعد فترة، وعلى النقيض من يضخمون قضايا العين والجن والسحر وهم في الحقيقة أخطأوا على أنفسهم وعلى الأمة. وهناك كثير من الناس لديهم مشكلات شخصية يستطيعون حلها لكن استسلامهم لمبدأ أنهم مصابون بالعين أو السحر أو الجن جعلهم يشعرون أنهم غير قادرين على فعل شيء ويقضون السنوات والأعمار وهم يبحثون عن هذا العدو. وأضاف أن فرضية المرض بسبب الجن وردت في الشريعة، وأن أهل العلم من المسلمين وغيرهم يعرفون ما لا يعرفه الإنسان عن الظواهر الغيبية، حتى أن بعض الباحثين وهو فائز بجائزة مشهورة أجرى دراسة لطيفة رصد فيها تأثر المريض بمن يدعون له وهي ظاهرة غيبية بحتة، لكن أهل العلم لا يقفون موقفا متحيزا بل بالعكس يعرفون أن كل شيء وارد وأن النفي مثل الإثبات، لأننا لا نستطيع أن ننفي ما لا نعرف لأنه من دين شامل لايمكن أن نختصره في جزئية عين وسحر وقراءة قرآن أو تعاطي دواء، وهذه عظمة الإسلام ولله الحمد والمنة.