في الغالب تحاول التيارات الشمولية التمايز الفكري، لكن ذلك في النهاية يؤدي بها إلى الديكتاتورية، وإلى الولاء الحركي الذي يصب كله في مصلحة التنظيم، ويتجسد عندهم في الولاء للقيادة وسياساتها، يصل في أحيان كثيرة إلى تعارض أهداف ومصالح كلا الطرفين بصرف النظر عن (هوية) و(كنه) الغير، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى أن تصفي الذي يدخل معها حيناً من الدهر ثم يتركها. يقول الكاتب تركي الدخيل في مقاله الأخير بصحيفة الوطن (ويصح هذا حتى على التيارات الإسلامية، والتي تشغب وتضرب بيدٍ ولسانٍ كل من ينشق عنهم، ويعتبرونه من المرتدين، من الذين نكصوا عن الإسلام، بل إنهم يجعلون الانتماء إلى الحركة هو جزء من الانتماء للإسلام، وهذه مشكلة.. من هنا تنشأ أدبيات التصفية والتشويه والتفسيق والتبديع إلى التكفير، ونلاحظ هذا لدى جماعة الإخوان وغيرها من التيارات التي ترى في الانتماء إلى الحركة أساس الخلاص، وعنوان التقوى والصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة). المقال رسالة للحركات الشمولية والأحزاب بل وحتى المجتمعات حتى يعلموا أن التميز بأن يصنع الإنسان فرديته، لا أن يكون ترساً في آلة الحزب يدار من دون أن يكون له أي قرار، وهذا ما نتمناه من الأحزاب والمجتمعات، أن يكفوا عن التصفيات ضد الآخرين. لمطالعة المقال كاملاً: التصفية المعنوية! دأبت التيارات الشمولية على أن تصفّي الذي يدخل معها حيناً من الدهر ثم يتركها، تتراوح هذه التصفية بين التصفية الجسدية، والتصفية المعنوية. إما أن يحاط بالتهم والإشاعات، أو أن تكال له الأذية والضرب وربما التصفية الجسدية. وفي مذكرات بدر شاكر السياب “كنتُ شيوعياً” الكثير من التفاصيل المخيفة عن تعامل التيارات الشيوعية مع الذين ينضمون إليها ثم ينسحبون وينشقون. في العالم العربي حيث التيارات الشمولية سائدةً ومتربعة على المشهد طوال عقود، فإن الكثيرين ينخرطون فيها عن وعيٍ أو عن غير وعي، ولكنهم بطبيعة الحال بعد التأمل يشعرون بأنهم يتركون تلك التيارات لصالح رؤيةٍ فردية. ويصح هذا حتى على التيارات الإسلامية، والتي تشغب وتضرب بيدٍ ولسانٍ كل من ينشق عنهم، ويعتبرونه من المرتدين، من الذين نكصوا عن الإسلام، بل إنهم يجعلون الانتماء إلى الحركة هو جزء من الانتماء للإسلام، وهذه مشكلة.. من هنا تنشأ أدبيات التصفية والتشويه والتفسيق والتبديع إلى التكفير، ونلاحظ هذا لدى جماعة الإخوان وغيرها من التيارات التي ترى في الانتماء إلى الحركة أساس الخلاص، وعنوان التقوى والصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة. لقد أصبحت التصفية السلاح المتبع، وتسلل للأسف هذا السلاح من استخدامه حزبياً إلى أن أصبح يستخدم من قبل فئاتٍ غير منتميةٍ إلى تيار من المجتمع. لأن النقد الذاتي أو الاستقلال أو الفردية في التفكير والرؤية غير مألوفة في مجتمعنا، ولأن التشاكل والتشابه والتمايز هو الأصل، فصار الأساس أن يتشابه الناس، وحين يختار أي أحد سلوكاً مختلفاً يعتبرون أمره مريباً فيبدأون بمواجهته قولاً وربما فعلاً، وهذه مشكلة المجتمع الساكن الذي إن استقل أحد من الناس بسلوكه عنهم يبدأون بالتوبيخ والتجريح، متناسين أن الكثرة ليست دائماً على حق، وأن من حق كل فردٍ أن يتبنى الأفكار والآراء التي يقتنع بها حتى وإن كانت تخالف المجتمع بأكثريته. قال أبو عبدالله غفر الله له: حين ترك الدكتور خالص جلبي الانتماء للإخوان المسلمين وجه إليهم كتابه: “النقد الذاتي” وهذا الكتاب رسالة للحركات الشمولية والأحزاب بل وحتى المجتمعات أن اعلموا أن التميز بأن يصنع الإنسان فرديته، لا أن يكون ترساً في آلة الحزب يدار من دون أن يكون له أي قرار. وهذا ما نتمناه من الأحزاب والمجتمعات، أن يكفوا عن التصفيات ضد الآخرين.