أجزم بأن معظم من يقرؤون هذا المقال قد مرّوا بتجارب مختلفة في مقابلات التوظيف، عدا الطلبة أو الشباب الذين في مقتبل أعمارهم فأولئك في سن مبكرة على الانخراط في دهاليز مقابلات العمل، حيث ترتبط مقابلات التوظيف دائماً بمسألة التقدم للحصول على وظيفة، غير أن هناك مقابلات أخرى مشابهة لكنها ليست محور الحديث اليوم. المقابلة الوظيفية هي اختبار مصغر أمام لجنة مكونة من عدة أشخاص أو شخص واحد على الأقل؛ يتم من خلالها طرح الأسئلة على المتقدم لطلب الوظيفة بهدف معرفة شخصيته عن قرب، ومهاراته، وطموحاته، وأهليته للحصول على الوظيفة، وتختلف طريقة طرح الأسئلة ونوعيتها وعددها من مسؤول إلى آخر، لكن ما يتفق عليه معظم العاملين في مجال الموارد البشرية هو إتاحة الفرصة للمتقدم للحديث عن نفسه في مدة قصيرة؛ كسراً للحاجز النفسي وتخفيفاً من حدّة التوتر الذي يعيشه المنتظرون دائماً، ورغبة في الحصول على معلومات ربما لم تذكر في استمارات الترشح للوظيفة، وهناك فئة أخرى من المسؤولين ينتهجون طرقاً وأساليب مختلفة في مقابلات التوظيف، كأن يطلبون من المتقدم القيام بشيء ما؛ للوقوف على مدى مرونته وقابليته للتعامل مع المتغيرات الجديدة أو المواقف الطارئة في مجال العمل، وهو من الأساليب التي تلعب دوراً كبيراً في الحكم على شخصية طالب العمل، إذ يتسبب الكثير من ردود أفعال المتقدمين في استبعادهم من القبول، وذلك لأنهم تعاملوا مع الموقف الطارئ على أنه خارج عن إطار المقابلة الوظيفية، ولم يحسنوا التصرف. وهناك قاعدة يرددها بعض المهتمين في هذا المجال، إذ يرون أن المقابلة الوظيفية هي مجرد تقمص لشخصية أو ممارسة تمثيلية بدور معين؛ من أجل اجتياز الاختبار ثم العودة للشخصية السابقة التي كانوا عليها قبل التقدم للوظيفة وبعد القبول فيها إن تم ذلك، ويعني ذلك أن تتمظهر أمام لجنة التوظيف بأنك تجيد المهارات والأعمال التي تسأل عنها، أو تبدي لهم رغبتك الجادة في القيام بما يطلب منك وإن كان ذلك من باب المجاملة فقط، أما بالنسبة للخبرات والمؤهلات التعليمية فهي لا تقبل النقاش والمجاملة، حيث يفترض أن يكونوا قد اطلعوا على خبراتك ومؤهلاتك قبل المقابلة أو أحضرت صوراً منها معك أثناء حضورك. ومن القصص الشهيرة التي تعطي مثالاً رائعاً لمقابلات التوظيف وأهميتها تلك القصة التي حدثت عندما قامت إحدى الشركات بنشر إعلان لوظيفة مرموقة، حيث تقدم المئات من طالبي العمل لتلك الوظيفة، لكن لجنة التوظيف كانت تبحث عن موظف مختلف وبمواصفات نادرة، حتى حضر ذلك الشخص الآسيوي وقبل أن يطرحوا عليه الأسئلة قال: السلام عليكم، قبل أن تطرحوا علي الأسئلة لدي طلب، قالوا: ما هو طلبك؟ فقال: أنا كنت على الديانة المسيحية وقد منّ الله علي بالإسلام وغيرت اسمي إلى عمر، ونحن كمسلمين لدينا في اليوم والليلة خمس صلوات نؤديها في أوقاتها، وإن تم قبولي في الوظيفة فسأقوم بأداء الصلوات التي تصادف وجودي في مقر العمل في أوقاتها، على أن أقوم بتعويض تلك الأوقات التي قضيتها في الصلاة بعد نهاية فترة العمل، فما كان من لجنة التوظيف إلا أن وافقوا على شروطه وتم قبوله في الوظيفة، حيث كان هو الشخص المطلوب وكان التزامه وأمانته من أهم المواصفات التي كانت الشركة تبحث عنها.