من واقع ما تحتله الأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية من مكانة مقدرة في أجندة وزارة الثقافة والإعلام، فقد عملت الوزارة ممثلة في وكالة الشؤون الثقافية على تلمّس كافة احتياجاتها، وتلبية كل ما من شأنه أن يمكن هذه الأندية من تأدية رسالتها والأهداف التي من أجلها أُنشئت. وبقراءة متأنية لواقع حال الأندية الأدبية، لمست الوزارة رغبة كبيرة من قبل المثقفين والأدباء والمهتمين بشأن هذه الأندية الأدبية في تعديل لائحة الأندية بما يستوجب كثيرًا من المتغيرات، وكان على رأس هذه المطالب إقرار مبدأ الانتخابات بديلاً للتعيين كما كان معمولاً به في السابق، وإشراك المرأة في مجالس الإدارات، وعلى هذا جرى تعديل اللائحة في بعض بنودها لتحقيق هذه المطالب، وعقب ذلك دعت الوزارة كافة الأندية لتجهيز جمعياتها العمومية، والتهيؤ لفترة جديدة، تتخلص من كافة المنغصات التي كانت سائدة في الفترة السابقة.. وتولت الوزارة ممثلة في وكالة الشؤون الثقافية الإشراف على الانتخابات في أي نادٍ يكمل شروط عضويته وفقًا ما هو منصوص عليه في مواد اللائحة الأساسية للأندية الأدبية. ومع بداية الإرهاصات الأولى لعملية الانتخابات، وقرب بداية انطلاقها، ظهرت جملة من التحديات، صدحت بها آراء، تشكك في جدوى هذه العملية، مبدية تخوّفها من بروز حزمة من السلبيات ماثلة في طغيان الشللية، وسيطرة فئات بعينها على المجالس، كما أبدت المثقفات تخوفهن من سيطرة الرجال على مقاعد المجلس من واقع أن الجمعيات العمومية جلّها من الرجال، غير أن نظرة الوزارة كانت أبعد من ذلك، فلم تكن مثل هذه الهواجس والمخاوف سببًا كافيًا لإلغاء مبدأ الانتخابات، والعودة إلى مربع التعيين مرة أخرى، لهذا مضت الوزارة في عزمها على توطين الانتخابات من قناعة راسخة أن التجربة في تعاقبها واستمرارها كفيل بأن يزيل كل هذه المخاوف والهواجس، فلا بد للمثقفين من تجاوز خلافاتهم في إدارة الأندية ولن يتم ذلك إلا بممارسة مزيد من الحرية بوعي وفق النظم المرعية والمعروفة، ولئن كانت التجربة في بدايتها، فإن في استمرارها وديموميتها تتراكم الخبرات وتكمن كل أسباب النجاح لاحقًا.. انتخابات نادي مكة الثقافي الأدبي في ظل هذه الظروف جرت أولى جولات الانتخاب في أروقة نادي مكة الثقافي الأدبي مساء يوم الاثنين 27 جمادى الآخرة 1432ه الموافق 30 مايو2011م بحضور وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية والمشرف العام على انتخابات الأندية الأدبية الدكتور ناصر الحجيلان، ومدير عام الأندية الأدبية الأستاذ عبدالله الكناني، ورئيس اللجنة الإعلامية للانتخابات محمد عابس إلى جانب فريق من وزارة الثقافة والإعلام، إضافة إلى أعضاء اللجنة التي ضمت الدكتور خليل المعيقل ممثلاً عن المثقفين، ومجدي رشاد مندوبا عن إمارة منطقة مكةالمكرمة، ومحمد امين ياتي مستشارا قانونيا؛ حيث بلغ عدد أعضاء الجمعية الذين يحق لهم الانتخاب 154 عضوًا حضر منهم 127 عضوًا بينهم 8 سيدات، وهي نسبة كبيرة قياسًا ببداية التجربة، وقد أسفرت عملية الانتخاب عن فوز ثمانية رجال وامرأتين، وكانت تلك النتائج مؤشرًا دالاً على النجاح، الذي تجاوز كل المخاوف السابقة، فلم يكن ثمة تكتل أو تحشيد واضح ، كما أن المرأة قد أخذت حقها بصورة مرضية قياسًا بحجم عضويتها في الجمعية العمومية، ولعل هذا النجاح قد دفع بالدكتور ناصر الحجيلان إلى الثناء على أهالي مكةالمكرمة على خطوتهم الايجابية في الشروع بالانتخابات، مؤكدًا أن هذه العملية ستؤسس ثقافة تعاونية في الوسط الثقافي والأدبي متمنيا أن تنمو وتتطور في المستقبل. كما دعا الحجيلان النخب المثقفة في السعودية إلى تقدير فرصة استجابة الدولة لمطالب المثقفين بإجراء الانتخابات في الأندية الأدبية والنهوض بدورهم التثقيفي في توعية الرأي العام وإشاعة ثقافة الانتخابات، مؤكدًا أن فوز امرأتين بعضوية مجلس نادي مكة الثقافي الأدبي يثبت أن المرأة قادرة على أن تصل إلى مجالس الإدارة بكل جدارة وثقة، لافتًا إلى أن نسبة من فزن بعضوية المجلس تمثل 25% ، وهي نسبة مرتفع مقارنة بالرجال واضعين في الحسبان نسبة المرشحين من كلا الطرفين. كذلك أشار المدير العام للأندية الأدبية عبدالله الكناني إلى النجاح الذي تم في انتخابات أدبي مكةالمكرمة في سياق قوله: يشهد المثقفون على أن عملية الانتخابات تمت في سهولة ويسر، وزادها ثقة استخدام التقنية الجديدة في عملية التصويت، وهو ما جعل الجميع في ظني راضين عما حدث. ممتدحًا التعاون الكبير من مجلس النادي السابق، مشيدًا كذلك بدخول امرأتين في المجلس هما الدكتورة هيفاء فدا والناقدة أمل القثامي ، مبينًا أن الكرة الآن في ملعب المرأة بعدما وجدت الثقة والتشجيع، ونحن ننتظر منها الكثير في العملية الثقافية، لأن الثقافة ليست محصورة في الرجل أو المرأة، بل هما مكملان لبعضهما لإثراء المشهد الثقافي. انتخابات أدبي الجوف وعلى خلفية النجاح الذي تحقق في انتخابات أدبي مكة، زادت ثقة الوزارة في المضي قدمًا نحو تأصيل هذا المبدأ، فكانت انتخابات نادي الجوف الأدبي التي جرت مساء الثلاثاء 5 رجب 1432ه، الموافق 7 يونيو 2011م بحضور وكيل إمارة الجوف الأستاذ أحمد آل الشيخ وعدد من الأعيان والوجهاء والمثقفين والمسؤولين في المنطقة، وقد رأس وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر بن صالح الحجيلان لجنة الإشراف على الانتخابات بحضور أعضاء اللجنة ممثلين في الأستاذ سلطان البازعي، ممثل المثقفين من خارج الوزارة، والأستاذ عبدالله الكناني، مدير عام الأندية الأدبيّة، والأستاذ عبدالرحيم شيخ باوزير، من الإدارة القانونية، والدكتور محمد الحيزان، ممثل الإمارة.، ورئيس اللجنة الإعلامية للانتخابات محمد عابس وقبل المضي في عملية الاقتراع تحدث الدكتور الحجيلان شارحًا آلية التصويت والضوابط المطلوب الالتزام بها، مذكّرًا بأهميّة إنجاح هذه التجربة في منطقة الجوف الذي يزخر بمعطيات ثقافية جميلة لها بُعد تاريخي وحضاري عريق، مؤكدًا على حقّ عضو الجمعية العموميّة في الاعتراض علي نتائج الانتخابات خلال مدّة أقصاها أسبوع واحد من الانتخابات يُوضّح فيها أسباب الاعتراض ومبرّراته إلى رئيس اللجنة، على أن تدرس اللجنة الاعتراضات وتردّ عليها رسميًا. بعد ذلك، بدأت عملية التصويت الإلكتروني بطريقة سلسلة وبسيطة. وبلغ عدد أعضاء الجمعية العمومية 110 أعضاء من أصل 150عضواً، حيث نال ثمانية رجال بجانب سيدتين مقاعد المجلس الجديد، الذي تميز بتنوع ما بين جيل الشباب وهم الأكثرية وجيل الكبار، وتنوعًا في الانتماء الاجتماعي والثقافي، بطريقة تعكس مكوّنات مجتمع الجوف الثرّي. وقد بارك الحجيلان للفائزين، مؤكدًا على أن الجمعية العمومية هي السلطة العليا على هذا المجلس فهي التي رشّحته وأعطته ثقتها ولها أن تتابع عمله وتراقبه ويمكنها أن تحلّه وفق نظام اللائحة. ثم تبادل الحضور التهاني في روح حميميّة تعكس التسامح والحبّ الذي يسود مجتمع الجوف. الانتخاب في أدبي حائل ثالث التجارب كانت في نادي حائل الأدبي يوم الاثنين 25 رجب 1432ه الموافق 27 يونيو 2011م، حيث سبقت هذه الانتخابات ضجة وصفها الحجيلان بالمفتعلة، ومفادها أن 152 مثقفًا من أبناء المنطقة قد رفعوا شكوى إلى ديوان المظالم بمنطقة حائل بسبب عدم قبولهم في عضوية الجمعية العمومية. وبين الحجيلان أن الشكوى مقدمة ضد النادي ولا علاقة لها بالوزارة، وأوضح أنه المسؤول عن الأندية الأدبية وانتخاباتها ويعرف ما يدور بها، مشيرًا إلى أن من لم تتوافر فيهم شروط العضوية لا يتجاوز عددهم 100 شخص، وأضاف أنهم لم يفهموا جيدًا آلية القبول واعتقدوا أن مجرد تقدمهم بملفاتهم يعني قبولهم، لكن هناك لجنة لتدقيق المؤهلات بحضور مندوب من الوزارة وفرز من تنطبق عليهم الشروط. وصف ما أثير من “ضجة” حول هذه الانتخابات بأنها مفتعلة من قلة لم تنطبق عليهم الشروط.. وقد بلغ عدد أعضاء الجمعية العمومية 89 عضوًا، ترشح منهم 33 عضوًا، منهم خمس سيدات لعضوية مجلس الإدارة. وبمثل ما تم في الجمعيتين السابقتين بأدبي مكةوالجوف، كانت الوزارة حاضرة في شخص وكيلها للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان، ومدير الأندية الأدبية عبدالله الكناني، وممثل المثقفين من خارج الوزارة الدكتور عبدالله الحمود، والمندوب من إمارة حائل بندر الجارالله، وممثل الشؤون القانونية فهد العتيبي، ورئيس اللجنة الإعلامية للانتخابات محمد عابس وكانت المفاجأة فوز 4 سيدات بما نسبته 40% من مقاعد المجلس، في تطور يحسب لصالح العملية الانتخابية في الأندية الأدبية.. وكان الكناني قد عبّر عن ارتياحه لما تم في أدبي حائل، بقوله: لمست تعاونًا كبيرًا من أعضاء النادي لنجاح سير الانتخابات، وهذا ليس بمستغرب على مثقفي المنطقة فهمهم هو من يخدم المنطقة وسوف يكون هناك تنافس شريف من أجل الفوز بعضوية مجلس الإدارة. خلاصة القول إن التجارب الانتخابية الثلاث التي جرت في أندية مكةوالجوف وحائل، قد زادت من عزم الوزارة على المضي قدمًا في إجراء الانتخابات في بقية الأندية الأدبية، حتى تستطيع هذه الأندية أن تؤدي الدور المنوط بها خاصة بعد الدعم الكبير الذي تلقته من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يحفظه الله-، بما يجعل من الميسور عليها أن تنفذ كافة برامجها ومشاريعها الآنية والمستقبلية، بعيدًا عن مظاهر الاختلافات والشكوى من نقص الموارد التي كانت سائدة قبل ذلك.