في مثل هذا اليوم اتخذت المملكة العربية السعودية أخطر القرارات التاريخية بوقف تصدير النفط للولايات المتحدةالأمريكية. وبحسب تفاصيل الواقعة الشهيرة فإن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود–رحمه الله- لم يترك وقتاً للرئيس الأمريكي في ذلك الوقت (ريتشارد نيكسون) ليذهب حتى لأصدقائه ليحكي لهم ما حصل، فلا وقت للعبث حينها. ومثل تاريخ 19 أكتوبر كابوساً مخيفاً لرئيس أكبر دولة في العالم عندما طلب من الكونغرس اعتماد 2.2 مليار دولار في مساعدات عاجلة لإسرائيل، الأمر الذي دعا بالفعل المملكة العربية السعودية، ليبيا ودول عربية أخرى بفرض حظر قوي على الصادرات النفطية إلى الولاياتالمتحدة. وطالما كان سلاح النفط موضعا للسجالات الإعلامية والتهديدات وبالعودة للقصة التاريخية ففي 10 رمضان الموافق 6 أكتوبر كانت السعودية أمام اختبار حقيقي حين شنّت سوريا ومصر هجوما مشتركا لاستعادة الجولان وسيناء الذيْن احتلتهما إسرائيل عام 1967. فلقد كان الملك فيصل هو الفارس الأول الذي خاض معركة مواجهة ضد الاحتلال الصهيوني مع أشقائه العرب والمسلمين، متسلحا بأهم الأسلحة الاقتصادية وهو النفط. فمنذ توليه الحكم وهو يعلن عن استعداد بلاده لاستعمال النفط سلاحا في المعركة، فقد أذاع راديو المملكة العربية السعودية في 25 ذي القعدة 1384ه / 28 مارس 1965م تصريحا للملك فيصل بن عبدالعزيز جاء فيه: إننا نعتبر قضية فلسطين قضيتنا وقضية العرب الأولى، وإن فلسطين بالنسبة لنا أغلى من البترول كسلاح في المعركة إذا دعت الضرورة لذلك، وإن الشعب الفلسطيني لا بد وأن يعود إلى وطنه حتى ولو كلفنا ذلك أرواحنا جميعا. عندما نشبت حرب عام 1378ه / يونيو 1967م واحتلت إسرائيل الأرض الفلسطينية كلها، وسيناء والجولان، وجزءا من لبنان، كانت هناك دعوات لقطع لنفط وأخرى لاستمرار تدفقه مع استخدام جزء من عائداته لدعم الصمود العربي وتقوية الجيوش العربية لتحرير الأراضي العربية المحتلة. وقد حسم الملك فيصل هذا الأمر في مؤتمر قمة الخرطوم الذي عقد في جمادى الأولى 1387ه / أغسطس 1967م وتقرر فيه دفع مبلغ (135) مليون جنيه إسترليني سنويا، التزمت المملكة العربية السعودية بدفع مبلغ (50) مليون جنيه إسترليني منها، والتزمت الكويت بدفع مبلغ (55) مليون جنيه إسترليني، وليبيا (30) مليون جنيه إسترليني. وظلت سياسة المملكة العربية السعودية ثابتة منذ حرب عام 1387ه / حزيران 1967م حتى حرب رمضان 1393ه / أكتوبر 1973 تجاه مسألة الاستخدام الإيجابي للنفط في تنفيذ التزاماتها بدعم دول الصمود من عائدات النفط. وعندما نشبت حرب رمضان عام 1393ه / أكتوبر 1973م تطور موقف المملكة العربية السعودية باتجاه استخدام النفط في المعركة بصورة أكثر تأثيرا في الدول المستهلكة للنفط. فقد بدأت المملكة على ضوء سياسة الملك فيصل النفطية بتقليص إنتاج النفط إلى 10%، وبالإضافة إلى هذه الخطوة صرح وزير النفط السعودي للولايات المتحدةالأمريكية أن المملكة العربية السعودية لن تزيد إنتاجها الحالي من النفط، ما لم تبدل واشنطن موقفها المؤيد لإسرائيل وأشارت صحيفة واشنطن بوست التي نشرت الخبر إلى أن هذه هي أول مرة تربط فيها السعودية علنا بين تصدير نفطها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين سياسة واشنطن في الشرق الأوسط. وتوالت الأحداث إلى أن جاء القرار الشهير بقطع جميع إمدادات النفط عن الولاياتالمتحدة في التاسع عشر من أكتوبر لتدع الكيان الصهيوني لوحده في مواجهة القوة العربية التي حطمته تحطيماً في ذلك الوقت.