عبدالرحمن السدر إن من نعم الله على هذه البلاد المباركة نعمة الأمن والإيمان واجتماع الكلمة ونبذ الفرقة والإختلاف وولاة أمر يحكمون شرع الله ويعملون بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ففي كل عام يتجدد لنا جمال هذا الوطن هذا الجمال الذي قام على يد المؤسس والرجل المبارك الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه وتتابع عليه أبناءه البررة حتى هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمد الله في عمره على طاعته ، يعاونه الإبن البار ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظه الله وسدده، فما نعيشه اليوم من جمال الوطن ورفعته ومكانته العالميه لهو امتداد لما بذله الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصون وسار عليه ولاة أمرنا وفق رؤية طموحة واعدة التي يشرف عليها الأمير الشاب محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030. إن المملكة العربية السعودية ليست بلداً فحسب بل موطناً للمسلمين ، ناصرةً لقضاياهم ، مدافعةً عنهم ، حاميةً لهم ، مساهمةً في حل مشاكلهم والدفاع عن حقوقهم. مملكه ولاة أمرها يحكمون شرعه ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وينصرون الضعيف ويقيمون العدل ورضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيناً. وطنٌ نعيش فيه، وطنٌ رفيع القدر، ذو مكانةٍ عاليةٍ ساميه، يكفيه فخراً أنه مهد النبوة ومنطلق الإسلام ومنارة التوحيد الخالص لرب الأنام. فوطنٌ كهذا ألا يعتز به ويفتخر بمجده وولاة أمره؟ يكفيه شرفاً أنه يضم بين جنباته خير البقاع وأفضل الأسقاع قبلة المصلين وعباده المؤمنين ومسجد رسوله الأمين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعى آله أجمعين . وطن هو منبع الأخلاق الفاضله والقيم النبيلة والرسالة السامية وخدمة ديننا العظيم والإهتمام بكتاب ربنا الكريم طباعةً وتعليماً وتطبيقاً، ونشر سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ألا يفتخر بوطنٍ كهذا ويفرح بمجده؟! وإنَ من أعظمَ النعم التي نعِيشُها ونتفيئُ ظِلالُها هي نِعمةُ الأمنِ التي هي أعظمُ من نعمةِ الرزقِ وقد قُدمَ الأمنُ على الرزقِ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ لسببين كما في قوله تعالى﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ السبب الأول: أن استتباب الأمن وانتشاره بين العباد سبب لحصول الأرزاق فإذا انتشر الأمن خرج العباد للبحث عن أرزاقهم. السبب الثاني: أنه لا يطيب العيش بلا أمن ولن ينتفع أحد برزقه أذا فقد الأمن والاستقرار وشاهد ذلك ما نراه في بعض الدول التي غاب أمنها فغابت حياتها ومقوماتها. وقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن فقال جل من قائل عليما (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) ولذلك فإن الأمن مطلب الناس جميعا ولا يتأتى القيام بالعبادة على وجهها إلا في ظل الأمن. والأمن يطلق ويراد به عدة معاني أمن فكري وأمن عقائدي وأمن سياسي وأمن اقتصادي وأمن اجتماعي وأمن على شؤون الحيات ولقد كان أعداء الإسلام منذ زمن بعيد همهم هو زعزعة أمن المسلمين في كل حياتهم لعلمهم التام أن الانسان المسلم لا يستطيع أن يقوم بأوامر الدين وخدمة الوطن إلا في وجود الأمن والطمأنينة. ولقد جاءت نظرةُ الإسلامِ للأمنِ نظرةً شموليةً وليست مقتصرةً على السرقةِ والسلبِ والقتلِ وغيرهِ. وإن من أعظم ركائز الأمن الفكري هو الحفاظ على العقيدة السليمة الصحيحة الخالية من الزيغ والشبهات والتحريفات والجماعات الخارجة على ولي الأمر فللعقول لصوص محترفين خبثاء يخططون لهدم الدين وزعزعة أمن المسلمين والدعوات المتكررة للمظاهرات والخروج على ولاة الأمور واستباحة دماء المعصومين. فمن أسباب تحقيق الإنتماء الوطني ووسائل حفظ بلادنا الغالية: أولاً: شكر الله تعالى فالنعم تدوم بشكرها والمحافظة عليها وحفظها. ثانياً: توحيد الله تعالى والعمل بطاعته سبحانه والاستقامة على أمره وعدم مخالته فقد قال تعالى "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ " ثالثاً: التمسُكَ بالكتابِ والسُنةِ وتطبيقُ الحدودِ. رابعاً: نشرُ فهمِ السلفِ الصالحِ والارتباطِ بالعلماءِ الثقاتِ المعروفينَ بحُسنِ المنهجِ وقد ضلَ من ضلَ من بعضِ الشبابِ هداهمُ الله بتلقي العلمِ من غيرِهم ونشرهِم للمفاهيمِ الخاطئةِ في فهمِ نصوصِ الكتابِ والسُنةِ وعدمِ عرضِها عليهم واعتمادِهمُ على ما يمليهِ عليهم أعداءُ الدينِ حتى وقعوا في قتلِ الأبرياءِ والمستأمنينَ ونادى بعضُهُم للخروجِ على وليِ أمرِ المسلمينَ وكأنما تدارُ عُقُولِهُم ولا يملكونَ من أمرِهِم شيئاً. خامساً: معاملةُ وليُ الأمرِ بمنهجِ السلفِ فلا يُخرجُ عليهِ ولا يُنصُحُ من على المنابرِ وتكونَ بينكَ وبينهُ بالسرِ لا بالعلنِ ولا تكونُ بنشرِ الشائعاتِ في وسائلِ التواصُلِ أو التحدُثُ في المجالسِ بالسبِ والتأليبِ أو الانسياقُ خلفَ العواطِفِ أو ما يحدثُ في المجتمعِ وما ينتجُ عنه من زعزعةٍ للأمنِ وضرب للوحدة وشق للصف. سادساً: الدُعاء فالدعاءُ من أعظمِ العباداتِ تأثيراً ومن أسهلِها وأيسرِها على العبادِ والله بيده وحدة حفظ هذا البلد المبارك وولاة أمره وشعبه. إن الفاقد للوطنٍ فاقدُ للاستقرارِ فاقدٌ للاطمئنانِ. فقد قال اللهُ تعالى في كتابهِ العزيزُ آمراً عبادةِ المؤمنينَ بالمحافظةِ على وُحدتِهِم وقوةِ لُحمتِهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) والناظرُ في سُنةِ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ يتعجبُ من شِدةِ حُبهِ لوطنِه مكةَالمكرمةِ بعدَ هجرتِهِ بسنواتٍ طِوالٍ من إيذاءِ أهلِ مكةَ لهُ وتصديِ الكثيرُ منهُم لدعوتهِ، وكذلك حُبُهُ للمدينةِ المنورةِ وهي موطنهُ الثاني الذي آواهُ وواساهُ. فقد جبلَ اللهُ النفسَ البشريةِ على حُبِ وطنِها والشوقِ إليهِ إن غادرتهُ والدفاعِ عنهُ إذا هُوجِمَ وعُودي والذودِ عنهُ إن تُكُلِمَ فيه أو انتُقِصَ، تدمعُ العينُ لفِراقِ الوطنِ ويحنُ له الفؤاد. فالوطن هو بُقعةُ الأرضِ التي يولدُ عليها الإنسانُ ويعيشُ فيهِ ويشعُرُ فيهِ بالارتباطُ والانتماءُ إليهِ. وإذا تحققت وسائل الحياة الكريمة تحققَ الانتماءُ والولاءُ للوطنِ والشعورُ بالمسئوليةِ والدفاعِ عن مكتسباتهِ وكان المواطن شخصيةً إيجابيةً ذا مُشاركةٍ فاعِلةٍ مُبدعاً في عمليةِ التنميةِ باذلاً لأقصى الجهودِ حامياً لحدودهِ كما نراهُ جلياً واضحاً فيما يُقدمهُ جنودِنا البواسل في الدفاعِ عن بلدِ التوحيدِ ومقدساتهِ ووُلاةِ أمرهِ في حدودِ بلادِنا أو في كسرِ شوكةِ الخوارجِ المارقينَ عن هديِ سيدِ المرسلينَ وما يتِجُ عن ذلكَ من انتصاراتٍ مذهلةٍ تُسطرُ لهم في حياتِهم وفي تاريخِ هذا الوطنِ وفي أذهانِ هذا الجيلِ الصاعدِ. أسالُ اللهَ جل في علاهُ أن يحفظهُم بحفظهِ وأن يكلاهُم برعايتهِ وعنايتِهِ وأن يجعلَ ما يقدمونَ في ميزانِ حسناتِهِم يوم يلقونهُ، وأن يرحمَ شُهدائُهُم ويداوي جرحاهُم. إن من المحافظة على الوطن ومقدساته طاعة ولي الأمر التي هي أصل من أصول عقيدة السلف الصالح ومعتقدٌ يعتقِدهُ أهل السنةِ والجماعةِ فقد جاء في كتابهِ العزيزِ ما يؤكدُ ذلكَ ويأمرُ بهِ كما في قولِ الحقِ تباركَ وتعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فطاعتهُ واجبهٌ في غيرهِ معصيةِ اللهِ لقولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ " من أطاعَ الأميرَ فقد أطاعني ومن عصى الأميرَ فقد عصاني " وجاءَ أمرهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في التحذيرِ من الفتنِ ومعصيةِ ولي أمرِ المسلمينَ قولهُ " من أتاكُم وأمركُم جميعُ على رجلٍ واحدٍ يريدُ أن يشُقَ عصاكُم أو يفرقَ جماعتكُم فاقتِلوه " لأنها لا تنتظمُ الأمورُ ولا تصحُ الأحوالُ إلا بالسمعِ والطاعةِ للإمامِ. ولذلكَ فان الخروج عليهم من أعظم الفتن والمصائب لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ " لنتأمل في هذا الحديث العظيم ففيه تحقيق للخيرية والسلامة من الآفات والشرور. وقد قال أهل العلم إن من دلائل كبائر الذنوب أن يقول الشارع ليس مني ولست منه كما في قوله صلى الله عليه وسلم السابق. قال ابن تيمية رحمه الله:" وقل من خرج على امام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير " وإننا في هذا البلادِ المباركةِ كما أسلفت لنحمد الله عز وجل على ولاة أمرنا، وندعوا الله لهم بالإعانة والسداد لما نراه من تحكيم شرعه في البلاد وبين العباد واقامة الصلوات وعمارة بيوت الله وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما. ولذلك فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم في الحديثِ الذي يرويهِ عوفُ بنُ مالكَ رضى اللهُ عنهُ " خيارُ أئمتِكُم الذينَ تُحِبونهُم ويُحبونكُم، ويصلونَ عليكُم وتُصلونَ عليهمُ " وقد قال البربهاريُ رحِمهُ اللهُ: "وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطانِ فاعلم أنهُ صاحِبُ هوى، وإذا رأيتَ الرجُلَ يدعو للسلطانِ بالصلاحِ فاعلم أنهُ صاحِبُ سُنةٍ إن شاء اللهُ " كما في شرحِ السُنةِ. بهذا القدرِ اليسيرِ يتبينُ لنا جميعاً مفاسِدُ العيشِ بدونِ وطن وأنهُ هدمٌ للحياةِ ومقوِماتِها. فوطنٌ بهذهِ المُميزاتِ ألا يستحقُ المحبةَ والانتماءِ لهُ والدعاءُ لولاتِهِ بالنصرِ والتمكينُ والفرح لما يفرحه والحزن على ما يصيبه وأن نكونَ صفاً منيعاً مع حُكامِنا ضدَ كلِ من يُريدٌ أن يفرقَ جمعنا أو أن يُحدثَ الفتنَ في بلادِنا وطاعتُهُم في غيرِ معصيةِ اللهِ، والسعيُ لمصلحةِ بلادِنا والبُعدِ عما يضُر به والحِرصُ على وحدتِه فكُلُ هذهِ مطالبٌ شرعِيةٌ أمرَ بها الإسلامُ. أسألُ اللهَ أن يحفَظَ قائدَ مسيرتِنا وباني نهضتِنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ الملكَ سلمانَ بنَ عبدِ العزيزِ، وأن يحفَظَ سموِ وليِ عهدِنا الأمين صاحبَ السُموِ الملكيِ الأميرَ مُحمدَ بنَ سلمانِ بنَ عبد العزيزِ نائبَ رئيسِ مجلسِ الوزراءِ وزيرُ الدفاعِ. اللهم احفظ علينا أمننا وجنودنا البواسلَ. اللهم من أرادنا بِسوءٍ فأشغِلهُ بنفسهِ واجعل تدبيرهُ تدميراً لهُ يا حيُ يا قيومُ. كما أسألهُ أن يحفظنا من الشرورِ ومضلاتِ الفتنِ وأن يجعلنا هداةً مهتدينَ لا ضالينَ ولا مُضلينَ. وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ. عبدالرحمن بن عبيد السدر