د. أحمد بن محمد الزايدي أطلقت المملكة في عام 2016 برنامج "اتزان" والذي تعول عليه في مكافحة الفساد والهدر في الإنفاق الحكومي ويهدف بحسب موقع رؤية المملكة الرسمي إلى إجراء مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة واللوائح المالية في جميع الأجهزة الحكومية للتحول من التركيز على سلامة الإجراءات فحسب، إلى مفهوم فاعلية الصرف وارتباطه بتحقيق أهداف محددة يمكن قياس فاعليتها بما يحفظ استدامة الموارد والأصول والموجودات. ويعمل البرنامج على نشر ثقافة كفاءة الإنفاق بين مختلف المستويات الإدارية في الجهات الحكومية ابتداءً من المسؤول الأول لكل جهة ويتضمن مسارات تدريب متخصصة في هذا المجال لتطوير أداء الموظفين ذوي العلاقة، وتحسين الأداء في الإدارات المالية وإدارات المراجعة الداخلية. ونتيجة لتبني المملكة لهذا المسار الإصلاحي حصدت السعودية المركز السابع عالميا في مؤشر كفاءة الإنفاق الحكومي وهو أحد المعايير الفرعية في تقرير التنافسية العالمي 2018 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" في سويسرا. وحصلت المملكة في مؤشر كفاءة الإنفاق الحكومي على 5.3 نقاط من جملة 7، مسبوقة بالإمارات العربية المتحدة 6.2 سنغافورة 6.1 والولايات المتحدة 5.9 وألمانيا 5.4 وتفوقت المملكة في المؤشر على نيوزيلندا 5.3 وسويسرا 5.3 ولوكسمبورغ 5.0. وبالرغم من نجاح جهود المملكة في رفع كفاءة الإنفاق من حيث سلامة الإجراءات وفاعلية الصرف على مستوى الميزانية العامة؛ إلا أن فاعلية الصرف وتعظيم العائد على مستوى الوزارات والجهات الحكومية لازالت في حدود سلامة الإجراءات ولم تتجاوز في كثير من الأحيان نحو فاعلية الصرف ويعود ذلك لغياب ثقافة وممارسات الحكومة والفهم المحدود لمتطلباتها وإجراءاتها. ولتقريب مفهوم الحوكمة للقارئ يلاحظ في العديد من الجهات الحكومية تفشي الترهل الإداري، وعند التأمل في الهياكل التنظيمية لهذه الجهات نجد وجود أقسام إدارية ليس لها حاجة. إضافة لوجود مديرين لا يمارسون وظائفهم الرسمية، علاوة على وجود مسميات وظيفية غير مدرجة في الخريطة التنظيمية ولا الدليل التنظيمي، وهذا بدوره أدى إلى تركيز السلطة والانفراد بإدارة الجهة الحكومية من قبل المسؤول الأول. وتبعا لذلك تأتي القرارات الإدارية انتقائية وغير موضوعية، ويكون العرف الإداري هو مصدر التشريعات والسياسات الإدارية الأمر الذي أدى إلى تكريس الاتجاهات الشخصية في تسيير مهام الإدارة وغياب ممارسات العمل المؤسسي. وتنتهج معظم الجهات الحكومية الأسلوب التقليدي في اتخاذ القرار الذي يعتمد على التقدير والحكم الشخصي للمسؤول الإداري بعيداً عن المنهج العلمي والمشاركة في اتخاذ القرار وبعبارة أخرى فإن هذا الأسلوب ما زال يقوم على أسس شخصية نابعة من شخصية المدير أو المسؤول ونجد في كثير من الأحيان أن بعض القرارات الإدارية تمثل انعكاساً واضحاً لتوجهات المسؤول الثقافية والاجتماعية. أما ما يتعلق بمسألة الشفافية، فنلاحظ لدى بعض الجهات الحكومية عدم الشفافية مع موظفيها أو المواطنين على حد سواء، فعلى سبيل المثال لا توجد شفافية في ترشيح الموظفين للدورات التدريبية أو الترقيات أو التوظيف. ولا توجد شفافية في ترسية المشروعات وتنفيذها ومعاملات المواطنين الأخرى ولا تنشر الحسابات الختامية والتقارير السنوية للوزارات الحكومية سوى ما نقرأه في الصحف حول مناقشة مجلس الشورى لها وبشكل مجمل دون تفاصيل واضحة. أما بخصوص المساءلة فهي ليست بأحسن حالاً من أختها الشفافية، والسائد في الجهات الحكومية هو أن للوزير أو المسؤول الأول في الجهة صلاحيات مطلقة بدون مسؤولية، بحيث تقل هذه الصلاحيات كلما اتجهنا من قمة الهرم الإداري إلى القاعدة فتقل الصلاحيات وتزداد المسؤولية فيكون المسؤول الأول هو الموظف الصغير بدون صلاحيات. فما يمارس في الواقع تفويض المسؤوليات وليس الصلاحيات، وبات السائد في بعض الجهات الحكومية التهرّب من المسؤولية في الأساس، أما ما تقدمه من تقارير سنوية وحسابات مالية ختامية، فجميع هذه التقارير لا تتم مراجعتها من قبل جهة مستقلة ومحايدة، فتأتي نتائجها ومعلوماتها وبياناتها غالباً مضللة لا تعكس الواقع. وتأسيسا على ما سبق ذكره حول الممارسات السلبية لبعض الجهات الحكومية، يمكن الآن تصور دور وطبيعة الحوكمة، وفهم هذا المصطلح والذي يعمل على القضاء على الفساد الإداري والمالي بكل أشكاله وترشيد الإنفاق الحكومي، وزيادة كفاءته واتخاذ القرارات الرشيدة. إضافة لاخضاع كافة الممارسات الإدارية للمحاسبية والمساءلة وعدم تفرد المسؤول الأول بالسلطة المطلقة ، فإذا استطاعت الجهات الحكومية التغلب على تلك السلبيات مجتمعة تكون قد حققت معايير الحوكمة. وحتى يتم تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 فإنه يقع على عاتق ديوان المراقبة العام مسؤولية كبيرة في مأسسة معايير الحوكمة ويبدأ الديوان بنفسه أولاً في توطين وتطبيق ممارسات الحوكمة ومن ثم مراقبة تطبيق ممارسات الحوكمة في كافة الجهات الحكومية، والأهم من ذلك كله هو مدى جدية واستعداد الجهات العليا لتطبيق إطار الحوكمة الذي تم إقراره مسبقاً. كاتب وأكاديمي