تحتل «الحوكمة» اليوم أهمية كبيرة على مستوى الإصلاح الإداري والاقتصادي والمالي بل والاجتماعي بما تستتبعه الحوكمة من إلزام المراقبة والتقويم، وقد إقترن الحديث عن «حوكمة المؤسسات» بالتوجه نحو رفع كفاءة أدائها ومعالجة المشكلات الناتجة عن الممارسات الخاطئة والمحسوبية والفساد بما يعوق تقديم وتنمية خدماتها. وتجربة المجالس البلدية هي اليوم على مفترق طرق بعد قرابة خمسة أعوام من العمل بين المؤمل والواقع والنجاح والإخفاق، ونتيجة لذلك يمكننا القطع بأن نجاحها الحقيقي لن يتحقق إلا بالتوجه نحو «الحوكمة البلدية» من خلال المحددات الآتية: المواطنون هم المرجعية في صنع قرارات المجالس البلدية: إن أصل القرار السامي بتوسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية بتفعيل المجالس البلدية عن طريق الانتخاب، يهدف بوضوح وشفافية إلى تأصيل مرجعية ومشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات المتعلقة بالخدمات البلدية المقدمة لهم سعياً لتطوير مستواها لأنهم أعلم بما ينقصهم من مشاريع وخدمات. مفهوم الحوكمة البلدية: حدد مفهوم «الحوكمة» Governance بأنه «نظام للرقابة والتوجيه على المستوى المؤسسي، وهو يحدد المسؤوليات والحقوق والعلاقات مع جميع الفئات المعنية، ويوضح القواعد والإجراءات اللازمة لصنع القرارات الرشيدة المتعلقة بعمل المؤسسة. وهو نظام يدعم العدالة والشفافية والمساءلة المؤسسية ويعزز الثقة والصدقية والنزاهة في بيئة العمل» بهدف إشراك جميع الأطراف في المؤسسة لتحقيق رفع كفاءة الأداء المؤسسي وتخفيف أو تقليل الغش وتضارب المصالح والقضاء على الفساد نحو الجودة والتميز في الأداء، وانطلاقاً من مفهوم الحوكمة العام إلى الحوكمة البلدية، التي ترتكز على الشفافية والمراقبة والمساءلة والنزاهة والمواجهة، كان لزاماً على المجالس البلدية بصفتها المحرك الرئيس بين أطراف الشراكة البلدية تحمل مسؤولية تطبيق مفهوم الحوكمة، وجعل البلديات أكثر فاعلية من حيث التخطيط الاستراتيجي وأهدافه وجودة التنفيذ وسرعة الإنجاز وأقل فساداً. الأهداف الرئيسة للحوكمة البلدية: تستخدم الحوكمة كأداة لتحقيق الكثير من الأهداف البلدية منها: (1) ضمان التحسن المستمر في الأداء ورفع مستوى الكفاءة والفاعلية بلدياً. (2) تحقيق جودة أعلى للمشاريع والخدمات وبالتالي الاستقرارين الإداري والمالي في الجهاز التنفيذي. (3) ترشيد الإنفاق ومنع الهدر في الإمكانات وتقليل المحسوبية والفساد. (4) تطبيق أفضل الممارسات في العمل البلدي لتعزيز التعاون وإشراك المواطنين في صنع القرار. (5) تحقيق مستويات أفضل من الرضا للقائمين والمستفيدين من الخدمات البلدية. مبدأ الشفافية والمساءلة والدور الرقابي للمجالس البلدية: يعد مبدأ الإفصاح والشفافية والمساءلة من أهم الأدوات اللازمة لتطبيق نظام الحوكمة البلدية من خلال ضرورة توفر جميع المعلومات بدقة ووضوح وعدم إخفاء أي معلومة وإظهارها للمتعاملين «المجالس البلدية ومنهم للمواطنون» في الوقت المناسب والإفصاح عن البيانات البلدية كافة والمعلومات الأخرى وتقارير الأداء. المرتكزات الأساسية للحوكمة البلدية: تنطلق الحوكمة البلدية من مرتكزات عدة أهمها: (1) وجود خطة إستراتيجية وتشغيلية وإجراءات إدارية ومالية واضحة للبلدية لتحقيق تنمية متوازنة ومستديمة لهيكلها التنظيمي ومشاريعها وخدماتها التنموية هدفها رضا المستفيدين. (2) كاستحقاق جماعي، وجود برنامج عمل للمجلس البلدي معلن بمؤشرات قياسية يحدد نجاحه أو إخفاقه. (3) كاستحقاق إنتخابي، وجود خطة عمل زمنية لكل عضو مجلس بلدي تُعنى بمتابعة شؤون بلدية دائرته الانتخابية من حيث تنفيذ مشاريعها وخدماتها وتخصيص يوم إسبوعي في بلديتها لحل شكاوى المواطنين. (4) اعتماد جدول تنفيذي لإجتماعات المجلس لمتابعة إنجاز خطتي البلدية والمجلس والأعضاء. (5) التزام البلدية والمجالس البلدية بالافصاح والشفافية والأمانة والمسؤولية الجماعية والفردية. (6) التزام المجالس البلدية بسياسة واضحة لنشر قرارات المجلس ومدى تنفيذها ليطلع عليها المواطنون. الحوكمة البلدية والدور المؤمل للمجالس البلدية في وبعد الانتخابات المقبلة: المواطنون يأملون إجمالاً، بعد التجربة الأولى التي دامت ستة أعوام، من المترشحين لانتخابات المجالس البلدية في دورتها المقبلة جعل «البلدية قريبة من المواطنين» بتطبيق أوسع وصريح للحوكمة البلدية من خلال الشفافية والمساءلة ومشاركتهم في صنع قرارات المجلس، وبجعل البلدية أكثر فاعلية من حيث التخطيط الاستراتيجي وجودة التنفيذ وسرعة الانجاز. فالجميع يعلم أنه لا أسرار في الأعمال البلدية أولاً لأن موازنتها ومشاريعها وخدماتها معلنة سنوياً وأن المواطن أصبح بحكم القرار السامي الرقيب عليها، وثانياً أن ترسيخ مشاركة المواطنين في إدارة المجالس البلدية لا يكتمل إلا بنقلة نوعية أخرى من شفافية المعلومات نحو علنية جلسات المجالس البلدية. وعلنية الجلسات هو تحقيق عملي لنداء خادم الحرمين الشريفين للقضاء على الفساد وهو الضامن الناجع لتحسين وتطوير ورفع ورقابة أداء مسؤولي البلدية وأعضاء المجالس سوياً وتعزيز وتصحيح مسار المجالس البلدية وبالدارج «وضع الجميع تحت المحك». عضو المجلس البلدي في القطيف.