احمد الزايدي نجاح المملكة في تحقيق رؤيتها 2030 بحاجة إلى توفر مجموعة من العوامل، ويأتي على رأسها القادة، وتوفير مناخ مناسب من الشفافية ، والعدل ،والأمانة، وتكافؤ الفرص في اختيارهم بعيداً عن العاطفة أو المحاباة ، وجود القادة الحقيقيون من أهم عوامل النجاح ، والمتتبع لأحوال مؤسساتنا الحكومية يرى كيف تؤثر القيادة ، فإما تقدم ونجاح يشحذ الهمم ويرفع المعنويات ويذكي روح المنافسة، أو سبات عميق يبعث على الشفقة ويجلب الملل ويثبط العزائم ويقتل الطموح، أو نجاحات وهمية مصطنعة وهالة إعلامية براقة وفقاعات سريعة الاختفاء. حسن اختيار القادة واستمرار تغييرهم على أسس موضوعية وعلمية يعد من أهم عوامل نجاح المؤسسات وتفوقها، وقدرتها على المنافسة، واختيار القادة لم يعد متروكاً للانطباعات الشخصية، ولحسن النوايا أو رغبة القائد، أو التسلسل الوظيفي أو أقدمية الموظف، بل أصبح علماً من أهم علوم إدارة الموارد البشرية له تطبيقاته الواسعة في الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وباتت هنالك شركات متخصصة في الاستقطاب والاختيار والتعيين وفق معايير علمية دقيقة واختبارات مقننة صممت من علماء متخصصين في علم النفس والإدارة لمعرفة أفضل الكفاءات لكل وظيفة أو مركز قيادي وفق مهام كل وظيفة والمؤهلات المطلوبة لشغلها. وفي الدول المتقدمة تولي المؤسسات الناجحة أولوية كبرى لاختيار القادة ، ومن أهم السمات التي تراعى عند اختيار القيادات استعداد القائد للتمكين فالقائد الحقيقي هو من يصنع من حوله قادة . والقائد (المُمكّن) يبحث بكل أمانة وإخلاص عن النواب والوكلاء الذين سيعملون معه، فهم من سيتولى تنفيذ الأوامر واستمرارها، ومن أهم واجبات القائد البحث عن من سيخلفه قبل مغادرة المنصب، لضمان استمرار تنفيذ الخطط، و البرامج، واستمرار عجلة التقدم والتطور، فلا يكفي أن يقال عن القائد الناجح أنه ناجح ما لم يحاول جاهداً أن يعد الصف الثاني من القادة، و يساهم في حسن اختيار الخلف؛ لتستمر مسيرة النجاح من بعده. حسن اختيار القائد للمساعدين من نواب ووكلاء دليل على نجاح القائد وثقته بنفسه، فالقائد(المُمكّن) المخلص النزيه بعيد النظر سيختار الأفضل ليكون ساعده الأيمن، وسيدعمه حتى يخلفه من بعده، أما القائد الضعيف فيعزّ عليه أن يرى من هو أفضل منه، وسيرى في كل موظف ناجح تهديداً لوجوده. وأسوأ أنواع الاختيار للقادة هو ما يبنى على أسس غير موضوعية بناءً على المحسوبية والتبعية المطلقة، ذلك أن هذا الاختيار يبعد الكفاءات المتميزة، ويفسح الطريق لمن هو أقل مستوى وكفاءة لاعتبارات شخصية، وهذا ليس مضراَ بتقدم المؤسسة فقط ، ولكنه محبط لطموح المخلصين والأكفاء من بعده، كما أنه صورة من صور الفساد الإداري التي يجب محاربتها. ولا سبيل لحسن اختيار القادة سوى الأخذ بالطرق العلمية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وشفافية معايير الاختيار، والعدالة، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص ، وتطبيق مبادئ المحاسبية والمساءلة على اختيار القيادات. نحن اليوم في المملكة أكثر حاجة من أي وقت مضى لمأسسة معايير اختيار القيادات في كافة القطاعات والمستويات الإدارية المختلفة بما ينسجم مع مرتكزات رؤية المملكة 2030 التي تقوم على حوكمة الأداء الحكومي ورفع الكفاءة الداخلية وإيقاف الهدر المالي. د. أحمد بن محمد الزايدي كاتب وأكاديمي