المملكة بإمكاناتها الضخمة وقيادتها الحكيمة يمكن أن تتقدم بسرعة نحو نادي الدول المتقدمة لو كان كل مدير مدرسة هو أفضل مدرسيها، وكل مدير جامعة هو أفضل أساتذتها، وكل مدير دائرة حكومية هو أفضل موظفيها، وكل رئيس مؤسسة خاصة هو أفضل الأكفاء فيها. مسيرة الوطن الحثيثة للتقدم نحو مصاف الدول المتقدمة بحاجة إلى شروط من أهمها حسن اختيار المديرين والقادة، وتوفير مناخ مناسب من العدل والأمانة وتكافؤ الفرص في اختيارهم بعيداً عن العاطفة أو المحاباة. وجود القادة الشجعان المخلصين من أهم شروط النجاح، لقد رأينا كيف يؤثر القادة في المؤسسات المختلفة، فإما تحليق نحو الأعالي يشحذ الهمم ويرفع المعنويات ويذكي روح المنافسة، أو سبات عميق يبعث على الشفقة ويجلب الملل ويثبط العزائم ويقتل الطموح، .. حسن اختيار القادة واستمرار تغييرهم على أسس علمية يعد من أهم عوامل نجاح المؤسسة وحسن أدائها لمهمتها، واستمرار مسيرة التنمية، واختيار القادة لم يعد متروكاً لحسن النوايا أورغبة المدير أوالقائد، أوالتسلسل الوظيفي أو أقدمية الموظف، بل أصبح علماً من أهم علوم إدارة المصادر البشرية له تخصصاته في الجامعات ومؤسسات الدولة، وله شركاته التي توظف خدماتها لمؤسسات القطاع العام والخاص، ولهذه الشركات معاييرها العلمية لمعرفة أفضل الكفاءات لكل وظيفة أو مركز قيادي، ولها اختباراتها التي صممها علماء النفس وعلماء الإدارة ، ولأن القدرات البشرية مختلفة ومتباينة، فإن لكل وظيفة مؤهلاتها، ولكل موظف قدراته وإمكاناته. في الدول المتقدمة تولي المؤسسات الناجحة أولوية كبرى لاختيار القادة والمديرين، ومن أهم واجبات المدير الناجح والقائد المخلص أن يبحث بكل أمانة وإخلاص عن النواب والوكلاء فهم من سيتولى تنفيذ الأوامر واستمرارها، ومن أهم واجبات المدير العام أو القائد البحث عن من سيخلفه قبل مغادرة المنصب، لضمان استمرار البرامج واستمرار عجلة التقدم والتطور، فلا يكفي أن يقال عن المدير الناجح أنه ناجح ما لم يحاول جاهدا أن يساهم في حسن اختيار الخلف لتستمر مسيرة النجاح من بعده، وإلا ذهبت كل جهوده أدراج الرياح، وظلت الكثير من مشاريعه المستقبلية وطموحاته حبيسة الأدراج. حسن اختيار المساعدين من نواب ووكلاء ومديرين دليل على نجاح القائد وثقته بنفسه، فالقائد المخلص النزيه بعيد النظر سيختار الأفضل ليكون ساعده الأيمن، وسيدعمه حتى يخلفه من بعده، أما القائد الضعيف فيعزّ عليه أن يرى من هو أفضل منه، وسيرى في كل موظف ناجح تهديداً لوجوده. وأسوأ أنواع الاختيار للمديرين والقادة هو ما يبنى على أسس عائلية أو قبلية أو مناطقية، ذلك أنه يبعد الكفاءات المتميزة ويفسح الطريق لمن هو أقل مستوى وكفاءة لمجرد قربه من المسؤول الأول في المؤسسة، وهذا ليس مضراَ بتقدم المؤسسة فقط، ولكنه قاتل لطموح المخلصين والأكفاء من بعده، كما أنه من أهم مسببات الفساد بنوعيْه المالي والإداري، لذا يجب محاربته. ولا سبيل لحسن اختيار القادة والمديرين سوى الأخذ بالطرق العلمية، يقول أحد المسؤولين في إحدى الدوائر الحكومية المهمة في المملكة حين سألته عن سبب نجاح مؤسسته أجاب: نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولدينا مختصون من خارج البلاد يقيّمون الموظفين مبتدئين بي وأنا المدير العام نزولا إلى القيادات الدنيا. المملكة بإمكاناتها الضخمة وقيادتها الحكيمة يمكن أن تتقدم بسرعة نحو نادي الدول المتقدمة لو كان كل مدير مدرسة هو أفضل مدرسيها، وكل مدير جامعة هو أفضل أساتذتها، وكل مدير دائرة حكومية هو أفضل موظفيها، وكل رئيس مؤسسة خاصة هو أفضل الأكفاء فيها. النماذج الناجحة موجودة، وجذوة النشاط يجلبها مديرا أو قائدا ناجحا. أثناء وجودي في القوات الجوية التحقت بدورة قيادية في إحدى الدول المتقدمة كانت مناهجها مليئة بالتحدي البدني والعقلي، وكان من أهداف الدورة معرفة الصفات القيادية لكل ضابط لمعرفة المكان المناسب له بعد تخرجه، كان المعلمون يكتبون كل ما يشاهدونه داخل الفصل وفي الميدان من ملاحظات عن الطلبة، ومعظم مواد الدورة تمارين عملية مشتركة يؤديها الطلبة، يعرف من خلالها الصفات القيادية ومهارات الاتصال ومدى التعاون في إنجاز المهمة. ومن أهم صفات المدير الناجح التعاون والعمل بروح الفريق، ومساعدة المؤسسات الأخرى المماثلة على النجاح، فنحن في نهاية المطاف يجب أن ننافس كوطن مع الأوطان الأخرى المتقدمة وليس صراعاً داخلياً أساسه المصالح الضيقة وقصر النظر. النجاح الذي يبقى هو الذي يصنعه أبناء البلد من مختلف أطيافه وأطرافه، ويصونونه من كل متهاون أو متكاسل أو فاسد. ستحلّق أيها الوطن الحبيب عالياً إن شاء الله، وقد أعلن قادتك وأبناؤك المخلصون ذلك.