شويش الفهد لا شيء يعادل الحصول على المركز الأول في شتى المجالات، فدائماً ما يكون صاحب المركز الأول هو الأكثر تميزاً والأكثر حضوراً والأكثر عوائداً، أما صاحب المركز الثاني فدائماً ما يقال له إن لم تحقق المركز الأول فأنت مثل الأخير، غير أن هذا الوصف ما هو إلا مجرد اختزال لقصة نجاح أكثر من كونه إنصافاً لصاحبها؛ فجميعنا يعلم طبيعة المنافسة التي تحتم على المتنافسين القبول بنتائجهم المترتبة على جهدهم وجودة أعمالهم. أما المركز الثالث فهو الأقل ضغوطاً والأقل مسؤوليةً والأكثر دفئاً، حيث من النادر أن تجد من ينتقص من صاحب هذا المركز، فلا هو بالذي حصل على المركز الأول فصار لزاماً عليه دفع ضريبة ذلك التميز من جهد وعمل ومجاملات وتضحيات. ولا هو بالذي أصبح ثانياً فصار الناس يقللون منه، وحول هذا الموضوع يقول الدكتور يوسف بن حزيم: إن حاولت أن تكون الأول فستكون رأساً والرأس كثير الأذى، وإن حاولت أن تكون ثانياً فغالباً الأول يهمش الثاني خوفاً منه؛ لأن الثاني يطمح دائماً لأن يكون الأول، ولذا فالمكان الذي يلبي الطموحات العاقلة وقليل من الناس يتنافس عليه هو الثالث، صحيحٌ أن عائده أقل لكن الوصول إليه ممكن جداً، كما أن الأول والثاني سيتسابقان على كسبك. عندما تدخل في سباق ما وتحصل على المركز الثالث فعليك أن تكون سعيداً بذلك، فالأول لن يكون مرتاحاً وقد لا يدوم له الحال، والثاني سيخطط للإطاحة بصاحب المركز الأول، وفي كلتا الحالتين لن يكون أصحاب هذين المركزين بالسعداء. كما هو الحال مع المدير الذي يخاف من نائبه ويرى بأنه شر لا بد منه، فالنائب يخطط لأن يكون مديراً وعندما يحصل له ذلك سيخاف ممن ينوب عنه. يقول الدكتور أحمد البراء الأميري: أغلب الناس يفضلون البقاء في منطقة الأمان، ومن أجل ذلك يقبلون وضعهم الحالي ولا يفكرون بالتغيير، بينما أغلب الذين يحققون نجاحاً ذا بال يخرجون من هذه المنطقة ويقبلون بحد معقول من المجازفة، ومن الأفضل لكل من تبوأ منصباً أو حقق نجاحاً لافتاً أن يستمر في عطائه ولا يتوقف عند ذلك الحد، وأن يكون وجوده في القمة حافزاً للبحث عن قمم أخرى، لا أن يصيبه دنو الهمة وبرود العزيمة ثم يجد نفسه قد سقط بإرادته لا بإرادة غيره، فالطامحون وحدهم هم الذي يقدرون قيمة العمل. وأهمية الإنجاز في حياتهم ولا يمكن لهم العيش بدون ذلك، فمن منا لا يعرف العالم المسلم أحمد ديدات وجهوده العظيمة في نشر الإسلام ومناظرة الملحدين، حتى أنه في أواخر أيامه رحمه الله كان يرد على أسئلة الناس ورسائلهم وهو طريح الفراش قد أنهكه المرض. ومن منا لم يقرأ عن قصة الأكاديمي الإنجليزي جراهام الذي وضع لنفسه عشرون هدفاً سيسعى لتحقيقها بعد تقاعده من التدريس في الجامعة وهو قد بلغ الستون عاماً؛ لتختاره رئيسة الوزراء البريطانية مستشاراً لسياسة الجامعات بالمميزات والشروط التي طلبها آنذاك. وبعد إقالة رئيسة الوزراء وجميع طاقمها وضع لنفسه خطةً لتأسيس مركز الاتصالات الأول في العالم في انجلتزا وهو قد تجاوز السبعون عاماً، فاختارته الحكومة البريطانية مسؤولاً عن هذا المشروع الضخم وأمرت بتخصيص جزيرة خاصة لتنفيذ ذلك الحلم.