تحكي خبيرة التنمية البشرية والعلاقات الأسرية" كوني بوديستا " في احدى محاضرتها عن العلاقات الجيدة قصة مفضلة لديها حين كانت تتحدث مع امرأة ناجحة في حياتها المهنية ذكية ولها استقلاليتها متزوجة لأكثر من خمسين عام وحين أحيل زوجها للتقاعد قال لها أن خائف ! قالت له : من ماذا ؟ فقال لها : بعد أن تقاعدت أنا خائف أنا لاتصبحي بحاجة إلي بعد الأن. فسألتها كوني وبماذا اجبتيه ؟ التفت إلى زوجي وقلت له : صحيح أنت على حق فأنا لا احتاجك ولم أكن في يوم بحاجة إليك . إنني لا احتاجك من أجل المال فلدي وظيفة ولم احتاجك يوماً من أجل الرفقة فلدي في حياتي أصدقاء مميزين دائما بجانبي ولم احتاجك لأشعر بالأمان فلدي أسرة تمدني بالعون والأمان. ولا أحتاجك لتعطي لحياتي معنى فهذه ليست وظيفتك أن تمنح حياتي قيمة ومعنى لمجرد وجودك فيها فتلك وظيفتي أنا أن اعطي لحياتي معنى وأفتخر بكوني أنا. ثم تقول انها نظرت لعينان زوجها وقالت : ولكن عزيزي الأمر ليس له علاقة بالإحتياج فعندما أسافر حول العالم في مهمة عمل وأفضل أن أخذ رحلة في وقت متأخرمن نفس اليوم الذي غادرتك فيه بدل أن أستمتع بالإقامة بأفخم المنتجعات واتكبد عناء السفر لأنام بجانبك صباحا ليس لأني احتاج أن أكون هنا في منزلي معك بل لأن هذا هو المكان الوحيد في العالم بأسره الذي أرغب في أن اتواجد فيه أكثر من أي مكان اخر. العلاقة الجيدة هي عبارة عن رغبة وليست احتياج. أسئل نفسك وكن صادقا معها لماذا أنت هنا رغبة أم احتياج ؟ البعض يتزوج ويقدم على الإرتباط ليس رغبتاً منه بتكوين أسرة والإستقرار بل خوفا من العنوسة وحاجته بأن يكون مع شخص يعطي لحياته قيمة ويمده بالأمان لأنه يظن بدون الزواج هو شخص بلا قيمة. والبعض يحيط نفسه بالعديد من الأصدقاء المزيفيين وهو يعلم بقرارة نفسه أنهم ليس أكثر من مجموعة أشخاص تافهين تركض خلف مصالحها لا تشبهه ولكنه يتغاضى ويتجاهل خوفا من أن يبقى وحيدا فهو معهم ليس راغبا أنما خائفها من الوحدة فهو بحاجتهم ليشعر بأنه محبوب ولديه مجتمع . والبعض يستيقظ صباح كل يوم ليذهب لعمله الذي لا يضيف له شيء فتلك الوظيفة التي يشغلها لا تشبه قدراته وطموحاته يتحمل أذى مديره اليومي فوجوده في هذا المكان مع هذا الشخص لا يزيده سوى إحباط ليس لأنه يرغب بالعمل بل لأنه بحاجة إلى العمل فهو غير مؤمن بقدراته وبمواهبه ويظن في قرارة نفسه أنه لو تم الإستغناء عنه لن يجد مكان أفضل فوجوده على ذلك الكرسي ليس رغبة وأنما احتياج . والبعض في علاقة تفتقر إلى الإنسجام والتفاهم والتقدير والأهم من هذا كله الإحترام ولكن تجدهم راضيخين بأسم الحب والحقيقة هي عكس ذلك فمن باب أولى قبل أن تحب شخص غريب يجب أن تتعلم كيف تحب نفسك أولاً ولا تسمح لكائن من كان أن يستنقص منك ويحط من قدرك بأسم الحب ! أنت معه ليس لأنك ترغب بذلك ولكن لأنك تحتاج فأنت بحاجة رفقته بحاجة وجودة بحاجة أن تشعر بالإستقرار ولو كان ذلك يكلفك الكثير حتى سعادتك فأنت ترفض أن تأخذ موقف أن تقول له أنا سأرحل لأني أستحق الأفضل لأني أستحق أن أشعر بالحب والإمتنان, لأني لم أعد استطيع التغاضي والتغافل لأني غير سعيد لا تستطيع قول كل ذلك لأنك في قرارة نفسك تظن بأنك لا تستحق وبأنك لن تجد أفضل منه ولن يقبل بك سواه . أنت اي واحداٍ منهم ؟ أم أنك جميعهم ! احيانا من الصعب علينا أن نواجه أنفسنا نهرب من التفكير وننخرط في علاقات فاشلة صداقات مزيفة زواجاً تعيساً مليء بالخيانات لأننا نقوم ببناء تلك العلاقات بهدف الحاجة وليست الرغبة . ثم تلوم حظك والدنيا حين تفشل وتظن بأنه قدرك والحقيقة عكس ذلك فالمسؤول الحقيقي عن هذا الفشل هو أنت !! نعم أنت ولن تتغير حياتك وتأتيك فرص أفضل إلا حين تبتر كل تلك العلاقات المزيفة من الجذور وتؤمن بنفسك وتعمل على أن تكتفي بذاتك ماديا ومعنويا وإجتماعية أن تحب نفسك لتستمتع برفقتها فلا تخاف ظلام الوحدة أن تتعلم كيف تتحرر من قيودك وتقبل على الشيء الجديد بكامل رغبتك واختيارك. أعلم بأن الكلام سهل والتطبيق دائما أصعب ولكن حاول مرة ومرتين وثلاثة فبناء علاقات جيدة صحية تجعلك سعيداو مرتاح امراً يستحق المحاولة . أجعل كل من حولك يعلم بقرارة نفسه أنك لا تحتاجه وأنك تستطيع العيش معه أو بدونه وأن الحياة لا تقف عند أحد فأنت معه رغبة منك وبمجرد أن تفقد تلك الرغبة سترحل بدون أن تلتفت له وأن لا تضع كائن من كان فوق قدرة حتى لا يضعك دون قدرك والأهم من ذلك لا تدع أحداُ يستشعر حاجتك ابدأ مهما بلغت من الحاجة ذروتها لأنه سينتهز أي فرصه ليستغل تلك الحاجة لمصلحته الشخصية فتلك هي طبيعتنا البشرية. كن أنت المتحكم الأول بعلاقاتك ودع دائما كفة الرغبة ترجح لتعيش سعيدا . عزة النفس ليس لساناً ساخرأ وطبعاً متكبرأ عزة النفس هي أن تبتعد عن كل ما يقلل من قيمتك . مصطفى محمود