«أنا خائف». انها العبارة التى أرددها أنا وأنت ومثلنا الملايين من المصريين البسطاء وبشكل يومي، في أوقات الأضطراب هذه التي تعلو فيها الآمال والطموحات وتغيمها المعوقات والإحباطات. والخوف هنا ليس دليلاً على عدم السعادة ولكن عن زيادة الإثارة والحماس لأننا نشهد تغير التاريخ وبشكل متسارع لا يستوعبه عقل. إنها حالة لا يوجد فيها انكسار ولا ابهار، حالة من المؤكد أنها ستكون مختلفة، وسيخرج منها عالم جديد أكثر شجاعة وصراحة في التعبير عن نفسه. أنا خائف. خائف من أن تستمر الأخطاء وتزداد وتؤدي إلى مأساة قبل ان ندرك غباءنا وتصرفاتنا التى تزيد من حجم مشاكلنا. لكني متفائل لأن الناس أصبحت تعرف أكثر عن نفسها وتأمل أكثر بأن تتحول عما هي فيه، فالتغير لا يحدث بالقوة بل بتطور او بثورة وليس له طريق ثالث. والتحدي الحقيقي هنا هو امكانية بناء إطار ومنهج بأقل الخسائر وبشكل يتشارك فيه الجميع وبمساواة في هذا العالم الجديد. فكما يقول غاندي «هناك ما يكفي لاحتياجات الجميع ولكن ليس لمطامعهم». والاحتياجات والمطامع نسبية وتختلف باختلاف الظروف والتفكير والاتجاهات. أنا خائف. خائف من الإنسان الذي دمر الأرض ومن عليها -باسم الله- ولم يفعل بها الله ذلك. أنا خائف، بل أموت رعباً، ألا أجد لي مكاناً في بلدي، فرصة لأن اعيش عيشة كريمة ومن دون أن اضطر الى سرقة او فساد او نفاق. منبر كي أتحدث منه بحرية وبما يجول في ذهني بلا قيد (سوى الأخلاق الإنسانية الكريمة) ومن دون ان يتم تكفيري او تخويني او اتهامي بالتوجه من الخارج. مساحة كي أتحرك وأحب وأخدم الآخرين من دون أن يخدعوني او يصعدوا على أشلائي. آمل بأن يكون لي غد أفضل. أنا خائف. خائف وشكاك من حال المجتمعات الإسلامية التى يفتتها صراع القوة والرغبة في فرض رأي ما بأنه المنهج الصحيح، في حين انهم لا يستطيعون الاتفاق على تعريف المسلم وينقسمون مدارس وشيعاً وطوائف (اجتماعية واقتصادية وتشريعية) مختلفة. كلهم يستخدم الدين بشكل او آخر، وينسى الجميع ان الإيمان هو بين العبد وربه ولا وساطة او وسيط في الإسلام، وليس في حكم لفرد على آخر (الله يحكم بينكم يوم القيامة). أنا خائف، بل متوجس خيفة، من المسميات التى نُطلقها والتى لا نفهم حتى معانيها، من مدنية وعلمانية وليبرالية وسلفية وإسلامية وفلولية. خائف من أن تحيد أُمة الوسط عن الوسط، ألا تستطيع أُمة الفطرة السليمة التمييز بين الورد والشوك والخطأ والصواب، ان تكفر أُمة العلم بالعلم، ألا تُطبق أُمة الرعاية الإنسانية أصول الرضا والحرية والأخلاق الحميدة، فقد أصبحت في أعلى معدلات الجهل والأمية والمرض وحوادث السرقة والقتل والاختطاف والابتزاز في العالم، وباتت تعتمد الإكراه سلوكاً ولا تعلي قيمة الحكمة والكلمة الطيبة والإقناع والعقل، وليس فيها سوى القيود والمحاذير حتى على التفكير والإبداع وحظر المعرفة (دعاوى أسلمة المعرفة والتى نفاها الرسول الكريم بقوله «اطلبو العلم ولو في الصين»، ولم يكن للإسلام موطء قدم في الصين عندها). خائف ألا يكون هناك أمل لحضارة في أُمة الحضارة التى قادت العالم عندما اتحدت وتشاركت وعدلت فعلت وكانت أفضل أُمة أخرجت للناس، ولكنها تفرقت وانقسمت وانخدعت بحب المال والسلطة وطمعت بالاستقلال بها ظلماً حتى وصلت الى حالها الآن: تفتح ابوابها لغزو القادرين على تطبيق العدل أكثر منها فتقبل أفكارهم وسموهم عليها. أنا خائف. خائف من مجلس عسكري لا أثق بقدرته على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. من سلطة تقهرني لا تحررني. من برلمان لا يمثلني ولا يعبر عني حتى لو كان معبراً عن أهلي وأفكارهم ولكنه ليس عني وأقراني ممن خرجوا الى الدنيا فوجودها أوسع من شبكات الإنترنت وأرحب من اشكاليات الحلال والحرام وافتكاسات الفضائيات. خائف من برلمان يقوم بتشريعات باسم الله ورسوله في حين أن الرسول الأمين نأى بنفسه عن تشريع سنن للناس في ادارة أمورهم بقوله عليه الصلاة والسلام «أنتم أدرى بأمور دنياكم»، كما رفض ان يتم الاستبداد باسم الله المنزه عن كل ظلم او نقيصة، خائف من مجلس شعب يفرض الوصاية على الشعب ويفتي له ويحلل، ويحرم هذا الشخص او ذاك كما يفعل المحلل بدلاً من الدفاع عن حقوقه وحمايتها. خائف من اعلام يثير الكل على الكل وينصب نفسه خصماً وحكماً. خائف من حكومة مشلولة تُعجزني، ومن سلطة تنفيذية لا تملك سلطة إنفاذ. خائف من ناسي الذين تنفسو الفساد من أعلى الرأس حتى أخمص القدم فأصبحوا يرون الحق باطلاً والباطل حقاً. خائف من الفقر والجهل والمرض الذي ينتشر في مصر وينتشر معها الكسل والمديونية الثقيلة. خائف من ان أصبح جباناً وأن يخون أهلي الأمانة ويتخلوا عن كرامتهم. خائف من زحمة الأخلاق ان تجعلني بخيلاً وأن يركبني الهم والحزن ولا أجد السعادة في بلدي. أنا خائف ولا أطلب سوى عيشة وحرية وكرامة انسانية. أبسط مطالب أي انسان والتي عبر عنها شعب أصيل فهزت وجدان كل شعوب العالم لأنها كل آماني الإنسان. أنا خائف في بلدي...ولكن عندي أمل وحلم وثقة... أمل بشعب قام ونهض بعد كل قعدة وهزيمة، وحلم في وطن ينهض ويعيد أمجاده، وثقة بالله أنه لن يضيعنا، و»ألا بذكر الله تطمئن القلوب».