حتى حين لحظة كتابة هذا المقال لا يبدو أن مايجري في إيران مجرد إحتجاجات شعبية -محدودة كانت أم واسعة-عابرة. الإحتجاجات التي إندلعت على الأطراف في الشرق ابتداءً في مشهد على الحدود مع إقليم كردستان العراقي ثم انتقلت إلى مشهد في الغرب على الحدود مع تركمانستان قبل أن تندلع في باقي أطراف البلاد كانت عفوية حين إندلاعها وغير موجّهة. تناولت حالات غلاء المعيشة وتردي الإقتصاد الداخلي والفساد ولكنها أشعلت لهيب الغالبية الساحقة التي كانت صامتة على وقع القمع الساحق لمظاهرات الثورة الخضراء في 2009 ليصعد المحتجين بإحتجاجاتهم إلى مظاهرات ومسيرات بسقف مطالب مرتفع جداً . مثلي مثل كثير كنت أعتقد أن مايجري لن يتجاوز مداه لكن في هذه اللحظة أُسجِّل تطورات متسارعة وغير مسبوقة من شأنها أن تقول بأن مايجري يمكنه أن يحقق أكثر حتى من أهدافه التي أرادها . التظاهرات بحسب مجلس المقاومة الإيرانية الوطني شكلت حتى مساء السبت 30ديسمبر 60 مدينة . سَقف المطالب لم يعُد الإجماع على الفساد وغلاء المعيشة وتردي الحالة الاقتصادية إنما وصل إلى مرحلة المواجهة الحقيقية في إطار سلمي ضد النظام والمرشد الأعلى . شعارات السقوط لخامنئي وروحاني والإحتجاج على الوجود في سوريا والعراق والرفض للمندوبين المنتشرين في الدول العربية الإقليمية ليست وحدها الجديد وإنما التطور الكبير الآخر كان إنزال الشعارات الخمينية وإقتحام مراكز قوات الباسيج في الأحواز . المشهد هذه اللحظة أن جميع المتظاهرين دفعوا بعضهم البعض للتحرك بمطالب موحّدة ربما لم يكُن يعتقد يوماً أنه من الممكن طرحها أو تداولها ، وليس الذهاب أبعد من ذلك والخروج الشعبي ضدها . وذلك يجري بدون قيادة محورية أو قطرية ذات أجندة وإنما يجري بتحرك شعبي عارم تجاوز اللحظة وأصبح داخل الحقيقة . النظام في مأزق حقيقي .. هذه ليست بروباغاندا القمع الأمني خيار رئيسي ويجري العمل به لكن المأزق أن التظاهرات تتوسع وإجراءات القمع تعمِّقها أكثر ولا تحتويها . كما أن سياسة القمع الأمني العام لكل مناطق المظاهرات سيجعل من الصعب إجراء أي إصلاحات "تخديرية" وسيبني عوازل عدم ثقة بين النظام والشارع المنتفض . لا يبدو أن في الأفق سحابٌ عابر ،، الأجواء ملبدة وحتى اللحظة يبدو أن المتظاهرين ليسوا متعطشين لإصلاحات داخلية وإنما متأهبين لتغيير سياسي كبير هذه هي المشارط اللازمة للعملية القيصرية في إيران ، جهّزها الشعب الإيراني في إنتفاضة عارمة. بقِي الأطباء في المجتمع الدولي ويبدو أنهم متوجسين حتى اللحظة ويركُنون لمراقبة تطورات الموقف الداخلي ، لاخطوات عملية لدعم مايجري بالرغم من الخطاب الاميركي المؤيد إلا أن حاجز الثقة الدولية والأوروبية تحديداً مع إدارة ترامب لا يبدو صلباً في هذه اللحظة لتحديد إستراتيجية مؤيدة للتظاهرات أو مناهضة للقمع الحكومي.