يستشرف ربيع الديموقراطية في المغرب مستقبله في ضوء سؤال عريض صلبه التعديل الدستوري الأخير الذي تم التصويت لمصلحته عبر استفتاء عام: هل ينهي الدستور الجديد موسم الاحتجاجات في الشارع المغربي باعتباره يمثل الإصلاح المنشود تدريجاً من قبل المغاربة؟ أم إنه يؤجل تأزم الوضع بصفته احتواء مؤقتاً للتحول الديموقراطي الجذري الذي يسير عليه الربيع العربي في عدد من البلدان؟ ميدانياً، وبينما يستعد البلد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في تشرين الأول (أكتوبر) قبل عام تقريباً من موعدها الأصلي، لم يفلح التعديل الدستوري الجديد الذي حاز على شبه إجماع إثر استفتاء شعبي أجري في أول تموز (يوليو) الماضي، في وضع حد لحركة الاحتجاجات السلمية المطالبة بمزيد من الحرية والشفافية والمساواة أمام القانون ومحاسبة الفساد، ودستور أكثر تقدمية. ولم ينجح اجتماع عوامل عدة، من اعتماد دستور جديد حائز على أصوات الغالبية، والإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة، وتراجع عددي في حجم التظاهرات الاحتجاجية، مع تقلص في انتشارها الجغرافي وفق كثيرين من المراقبين، وانقسامات وتجاذبات وسط الشباب المحتج وخارجه، وحلول شهر رمضان، في منع حركة 20 فبراير التي قادت احتجاجات شعبية عارمة في المغرب قبل بضعة أشهر، من مواصلة حراكها النضالي في مختلف المناطق. فالمسيرات الشعبية والتظاهرات تعم الشوارع بوتيرة شبه أسبوعية، وتشمل حتى الليالي الرمضانية بعد صلاة العشاء. ورفعت حركة 20 فبراير شعار «ما مفاكينش... ما مفاكينش، ومع الفساد ما مصالحينش» أي: لن نتراجع، ولن نتصالح مع الفساد، لتفيد بأنها غير مقتنعة بنوايا الإصلاحات المعلنة، وأن سقف مطالبها لم ينزل بعد عن مطلب اعتماد نظام ملكي برلماني يسحب الكثير من صلاحيات الملك في تدبير الشأن العام، ويقوي العدالة الاجتماعية وكرامة المواطنين وحريتهم ويحاكم الفساد والمفسدين. وبنظرة الريبة، تقارب الحركة التغيير القائم الذي تشرف عليه السلطة، وتعتبره التفافاً على مطالبها وامتصاصاً للتذمر الشعبي إزاء تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتستدل عليه في مرحلة ما بعد الدستور الجديد باستمرار قمع نشاطها السلمي المشروع وارتفاع صاروخي في مستوى المعيشة اليومي. والواقع أن التظاهرات المتواصلة لم تسلم من جرعة عنف ومواجهة في أوساط المدنيين، في ما بات يعرف ب «بلطجية» المغرب المسخرين من قبل أجهزة السلطة، على قول الحركة، لكسر شوكتها من دون توريط من يقف خلفها. أما قوات الأمن فتدخل في المواجهة أحياناً لتفرق بالقوة التجمعات والمسيرات وتشن اعتقالات وتطلق أحكاماً بالسجن أو تراقب المتظاهرين عن كثب. وتلاحق ناشطي 20 فبراير تهم بالتورط في لعبة تتجاوزهم وذلك بسبب ما يراه المنتقدون إنه «تحالف غير منسجم يعادي الإصلاح الديموقراطي»، لكونه يجمع بين الإسلاميين المتطرفين واليساريين الراديكاليين (الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، وحزب الأمة (محظور)، وجماعة العدل والإحسان (تنظيم إسلامي محظور)، وحزب النهج الديموقراطي، وجمعيات حقوقية ومدنية، فضلاً عن قطاعات من تنظيمات شبابية على رأسها العاطلون من العمل ومجموعات من التيار السلفي. ويبدو من هذه الصورة الميدانية أن السلطة وحركة الشباب الاحتجاجية تتبنيان الاستراتيجية نفسها، يراهنان فيها معاً على طول النفس والحفاظ على زخم التغيير والإصلاح كل من جانبه وبطرقه الخاصة، وذلك على رغم اعتقاد سائد في الداخل والخارج بأن النموذج المغربي يمثل استثناء عربياً أفرز حراكاً شعبياً يطالب بتغيير موزون. فلم يرفع المتظاهرون مطلب «ارحل» في وجه الملكية القائمة من قرون، وإنما طالبوا بالإصلاح من داخلها وفي ظلها، لأنها أثبتت درجة عالية من المرونة والانفتاح، أتاحت تطوراً منطقياً لنظامها، قرّبها من نبض الشعب وجعلها تستجيب لعدد من مطالبه الملحة. وبذلك نزع المغرب عن احتجاجاته سمة «الثورة» التي سادت في بقية البلدان العربية. وتعكس الصورة الميدانية القائمة حالياً في المغرب استمرار المخاوف من المستقبل بسبب ما يعتمل من مواجهة بين السلطة والشارع، من دون أن يأتي ذلك على آمال معلقة على «الاستثناء المغربي» لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.