مضت الإجازة الصيفية وانقضت أيامها، وها نحن على أعتاب عام دراسي جديد يحدونا فيه الأمل أن يكون عاماً حافلاً بالإنتاج، والتغيير الحقيقي الملموس على مخرجات تعليمنا العام، وأن يكون هنالك وقف للهدر التربوي المتراكم ، وتعظيم للعائد الاقتصادي للإنفاق الحكومي السخي على التعليم . وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ومع تعاقب ستة وزراء على وزارة التعليم الذين واكبهم تغيير في مسمى هذه الوزارة من وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم انتهاء بوزارة التعليم بعد دمج التعليم العام والتعليم العالي في وزارة واحدة ، وتبني العديد من المشاريع التطويرية لتجويد مخرجات التعليم العام. إلا أن كل هذه الجهود لم تفلح في إصلاح واقع التعليم، ولا أقول هذا الكلام جزافاً، ولكن تؤيده مؤشرات نتائج الاختبارات المعيارية العالمية تيمز TIMSS ، وبيرلزPIRLS ، ونتائج الاختبارات الوطنية التي أجرتها هيئة تقويم التعليم في مادتي الرياضيات والعلوم للصفين الثالث والسادس، إضافة إلى نتائج المركز الوطني للقياس والتقويم في اختبارات القدرات، والاختبارات التحصيلية. لماذا لم ننجح في إصلاح تعليمنا العام؟ سؤال كبير يشغل بال كل المهتمين بالشأن التعليمي والتربوي من التربويين، والمثقفين، والمجتمع بكل أطيافه ومع هذا التساؤل تتعالى الأصوات وتتجدد في كل عام عن من المسؤول عن هذا الخلل؟ وتتوجه دوماً سهام النقد إلى ذلك المعلم والمعلمة كونهما أهم عنصر في العملية التعليمية والتربوية، وهو بلا شك نقد صائب وفي محله، ولكنه في ذات الوقت لا يعطي الصورة الكاملة لمشكلة التعليم، ومكامن الخلل، فليس المعلم والمعلمة وحدهما مسؤولان عن الهدر التربوي في التعليم العام، ولكنها منظومة متكاملة يعد فيها المعلم والمعلمة الحلقة الأضعف في هذا الخلل الكبير. مشكلتنا لازالت مستمرة، وتتركز بشكل أساسي في عناصر عدة سأتناولها تباعاً في عدة مقالات: أولها قيادة وإدارة دفة التعليم العام. وتتمثل في مركزية وبيروقراطية القرار التربوي ؛ مما يجعله في كثيرٍ من الأحيان بعيداً عن الواقع، وغير منسجماً مع معطيات العمل التربوي جاعلاً الفجوة تتسعاً يوماً بعد يوم بين صناع القرار والمنفذين؛ الأمر الذي يؤدي إلى مقاومته، وعدم تقبله، فليس للمنفذين صوتاً مسموعاً وأقرب الأمثل لذلك إقرار إضافة أربع ساعات أسبوعياً لليوم الدراسي للأنشطة الصفية. وبالرغم من أهمية النشاط اللاصفي في صقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته؛ إلا أن واقع البيئات التربوية التي ستنفذ بها هذه الأنشطة بيئات فقيرة، وضعيفة من حيث الإمكانات، والتجهيزات مع الأخذ بعين الاعتبار بأن نسبة لا يستهان بها من المدارس تشغل مباني مستأجرة غير مهيأة أساساً لأن تكون بيئات مدرسية. فضلاً عن أن يزاول بها النشاط اللاصفي؛ مما جعل القرار يواجه بمقاومة وتذمر من الميدان التربوي، والذي نُعِت فيه المقاومون "بالشكائين البكائين" الرافضين للتطوير. وما يؤكد مركزية وبيروقراطية القرار اقرار تدريس التربية البدنية بالتعليم العام للبنات بشكل مفاجئ دون وجود أي استعداد من حيث وجود المشرفات التربويات ، والمعلمات ، والبيئات والتجهيزات المدرسية الضرورية لتدريس المادة لاسيما وأنه يغلب عليها الجانب التطبيقي، فضلاً عن وجود أقسام علمية بكليات التربية للبنات تعد المعلمات لتدريس التربية البدنية!! فجاء القرار رغم أهميته والحاجة إليه مستعجلاً مغفلاً جميع هذه المعطيات. إصلاح التعليم تغيير يجب أن يقاد بفكر تربوي نير يأخذ بالمبادئ والأسس التي يقوم عليها التغيير، والتي تقوم على التهيئة ، والتبرير للحاجة للتغيير، وخلق القناعة لدى المعنيين بالتغيير، وجعلهم شركاء في هذا التغيير، وفي صنع قراراته؛ لاستمالتهم، ودفعهم للسير في ركاب التغيير، والتقليل من مقاومتهم لأن لكل تغيير مقاومة تحاول احباطه وافشاله. قادة المدارس والمعلمون هم المعنيون بالتغيير، وهم صنّاع التغيير فأينهم من قرارات التغيير ؟ إن مواجهة مقاومة التغيير بالعبارات المحبطة يقتل الدافعية ويبدد جهود التغيير ويجعل مقاومة التغيير تزداد شراسة فهل أدركنا أسرار قيادة التغيير؟ كاتب وأكاديمي