كان بالإمكان أن أقول "سقطت ورقة التوت" عن النظام القطري بعد الشكوى التي تقدموا بها لحجاجهم وحديث بعض سفهائهم عن تدويل الحج، ولكن عبارة كهذه قد لا تكون أفضل ما يصف نظاماً يعري نفسه كل يوم ألف مرة، ويمعن كل يوم في اكتشاف تعريف جديد للغباء السياسي في وقتٍ يتوقع منه شعبه التصرف بحكمة لإنهاء أزمته، وإنهاء مغامراته الصبيانية التي تنتهي دائماً باستجداء شفقة المؤسسات الدولية. نظام قطر هو الطريقة الأسهل لمعرفة أسوأ ما وصلت إليه السياسة، وهو المثال الأقرب لتجسيد انعدام الأخلاق، نظام يسيء لنفسه ولا يحيق مكره السيء إلا به. فبالإضافة إلى خيانة التاريخ وعقوق النسب، وفجور الخصومة، واحتراف الكذب، وتسول المظلوميات، جاء تناقض هذه المرة مختلفاً عن كل التقاليد السابقة، وأصبحنا نرى نظاماً متورطاً بدماء آلاف المسلمين حول العالم يمنع حجاجه ثم يتحدث عن تسهيل فريضة الحج في المشاعر المقدسة التي يتم توجيه الصواريخ الغادرة إليها بدعم مالي منه. لم يعد الأمر وكالة أنباء مخترقة كما يزعمون، ولو أنه بقي كذلك لكان أرحم لهم من مستنقع الغي الذي تورطوا به لاحقاً، فما قالوه بعد ذلك أفظع وما قاموا به أشنع، حتى وصل بهم الحال إلى تسييس الدين ومحاولة الوقوف في وجه حقيقة أكبر منهم وهي ما تقدمه المملكة منذ تأسيسها لخدمة ضيوف الرحمن حتى ارتبط هذا الدور بمكانتكها العالمية وبمسميات قادتها، إنها الحقيقة التي يفهمها كل ذي عقل، ولهذا لن يستطيع نظام قطر أن يفهمها. تصريحات مسؤولي النظام القطري وادعاءاتهم المتعلقة بالحج ليست سوى حلقات مملة أخرى في مسلسل الإفلاس والانكشاف التاريخي لهذا النظام الذي أحرق آخر أوراق احترامه أمام المجتمعين العربي والإسلامي، إنه المسلسل الذي بدأ منذ بدء مقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لحكومة قطر، ومنذ ذلك الوقت وهذه الحكومة تثبت كل يوم أن هذا القرار كان صائباً، وأنه أقل ما يمكن اتخاذه تجاهها ليس الآن، بل منذ وقت طويل. سياسة الهروب إلى الأمام حيناً، والاختباء خلف خطاب إنشائي تصعيدي حيناً آخر، التباهي حيناً والتباكي حيناً آخر، هذه هي الطريقة التي يتعامل بها النظام القطري ومرتزقته مع الأزمة منذ بدايتها وصولاً إلى قرب موسم الحج. ناسين أو متناسين أن هذه المسرحيات المفتعلة لن تضر سوى حجاج الشعب القطري الذين رحبت بهم المملكة وأتاحت لهم الطرق الرسمية للحصول على حقهم في أداء مناسكهم، وحينما انتظروا دور حكومتهم في الاستجابة وجدوها مشغولة بتمثيل دور تراجيدي رديء في الأممالمتحدة. لقد اعتدنا على المحاولات السنوية البائسة لأعداء الوطن في تخريب صورة الحج والتي تعود عليهم بمزيد من البؤس ما إن ينتهي كل موسم حج بنجاح باهر وبتطور تنظيمي متصاعد عاماً بعد عام، لم يعد يفاجئنا دور الضحية المزعوم، ولن نستغرب ما تميله بعض عمامات سوداء لبعض قلوب لا تقل سواداً. فهذه البلاد المباركة لا تشغل بالها سوى بأعظم شرف لها وهو خدمة الحجاج والمعتمرين، وإذا كان هذا الأمر يغضب نظام قطر فعليه أن يواجه مشكلته مع نفسه، فهو أضعف من أن يواجه غضب مليار مسلم.