معكم كلْب وإلا أَنْبِح لكم هذا مثل محليّ يضرب للشخص الفُضُوْلي الذي لا يرتاح دون أن ينحاز إلى طرف من الأطراف يتبنى قضيته, ويدافع عنه ضد الطرف الآخر حتى ولو لم يكن الطرف الذي انحاز إليه على حق, أو أنه ليس في حاجة إليه للوقوف معه والاصطفاف بجانبه, ولكن الطبع يغلب التطبّع – كما يقولون- فالنَّبَّاح لا يكف عن البحث عمن يَنْبِح له أو عنه, ويعرض نفسه وخدماته بل ويفرضها عليه فرضاً؛ لأن النِّبَاحة طبع وجِبِلَّة متأصلة في نفس من يُبتلى بها, ومترسخة في ذاته لا يكاد يخفيها أو يسيطر عليها, دون أن تظهر في سلوكه سواء بمناسبة أو بغير مناسبة, خصوصاً إذا اعتاد النَّبَّاح على صورة عالقة في ذهنه, ومتكونة في عقله الباطن منذ مدة ليست بالقصيرة, وليس بالضرورة أن تكون تلك الصورة سيئة أو خبيثة, بل قد تكون طيبة وجميلة, وإنما مثلها(ولاعتبارات خاصة به وحده) مثل الخِرْقة الحمراء التي لا يكاد يراها الثور الجامح في المصارعة الإسبانية حتى يهاجمها بكل حنق وقوة وشراسة, ولو كان في ذلك حتفه, أو كالمسعور الذي حينما يرى الماء أو البرق يزداد سُعَارة ويعلو نُبَاحه حتى يموت كمداً. ومن طبيعة النَّبَّاح حركة رأسه حينما يَنْبِح، فمرة يرفعه، وأخرى يخفضه وثالثة يحرِّكه يمنة ويسرة، ورابعة يحملق عينيه، ويكشِّر عن أنيابه، وتنتفخ أوداجه، وتتطارد أنفاسه، وتصطكّ أضراسه، ويهز أكتافه، وسائر جسمه حتى يكون لنِباحِه صدى وقيمة عند من يَنْبِح له أو معه. ومن أوصاف النَّبَّاح جهوض في عينيه، وطول في وجهه، وقديماً هجا الشاعر ابن الرومي نَبَّاحاً في زمانه يدعى عَمْراً بقوله: وَجْهُكَ يا عمرو فيه طُولُ وفي وجوهِ الكلابِ طُوْلُ فأين منك الحياءُ قُلْ لي يا كلبُ والكلبُ لا يَقُوْلُ مَقَابِحُ الكَلْبِ فيك طُراً يزول عنها ولا تَزُوْلُ وفيه أشياءُ صَالِحَاتٌ حَمَاكَهَا اللهُ والرسولُ والكلبُ وافٍ وفيك غَدْرٌ ففيك من قَدْرِهِ سُفُولُ وقد يحامِي عن المواشي ولا تحامي ولا تصوْلُ وأنت من بين أهْلِ سوءٍ قِصتهُّم قِصَّةٌ تَطُوْلُ وُجُوْهُهُم للورى عظاتٌ لكن أقفاءهم طُبُوْلُ مستفعلٌ فاعلٌ فَعُوْلُ مستفعلٌ فاعلٌ فعولُ بيتٌ كَمَعَنَاكَ ليس فيه معنى سوى أنه فُضُولُ وهي قصيدة طويلة مبسوطة في ديوانه. وكلنا نعرف أن الأمثال تجربة إنسانية تصف سلوكيات البشر وتصرفاتهم وليس شخوصهم المجردة عندي من كل إساءة، وتعبّر عن نوازعهم الإنسانية خيرها وشرها طيبها ورديئها، وتُضْرَبُ عادة لكل من في سلوكياته سمات الخير، وسمات الشر، وهي أدب رفيع، وأقوال مأثورة قل أن تخلو منها أحاديث الناس وكتاباتهم، وحتى القرآن الكريم ملئ بالأمثال التي يدور معظمها حول الحيوانات والحشرات والدواب والجماد، والله جل جلاله ضرب المثل لنوره كما جاء في سورة النور الآية35. وأنا شخصياً كنت ممن يقدّرون شخصاً فضولياً معروفاً بوصفه كاتباً مميزاً, وصحفياً معدوداً في الأوائل من الصحفيين ذوي الاحتراف العالي في زماننا, وأنزِّهه عن كل وصف حيّ يمس شخصه الكريم, وهو ليس غريباً عن المملكة العربية السعودية, بل إنه بمنزلة ابن من أبنائها في يوم من الأيام,؛ فقد عمل لجريدة المدينة السعودية, ولجريدة الشرق الأوسط اللندنية وهي جريدة سعودية أيضا, وكانت له علاقات وصلات نحسبها تربطه بكثير من أبناء المملكة بمختلف مستوياتهم ودرجاتهم, ولكنه منذ أن عمل في جريدة لندنية معروفة أصابته لوثه تجاه المملكة العربية السعودية, فهو مع كل ناعق عليها لا يترك مناسبة تمر دون أن ينال منها, ولا يسمع عن معارض لها أو خصم أو حاقد عليها, أو ظالم لها يتربص بها وبشعبها وقيادتها إلا وينحاز إليه, ويصطف معه ضدها حتى مع الإرهابيين الذين يقتلون أبناءها والمقيمين على أرضها, ويدمرون بنيتها التحتية, ولو أحصيت عليه المواقف التي وقفها مع خصوم المملكة ضد المملكة لاستغرقت مجلداً ضخماً بدءً من أسامة ابن لادن في تورا بورا, وانتهاءً بخامنئي في إيران. ولا أعرف لذلك أسباباً إلا أن يكون شخصه الكريم بقية باقية من اليسار العربي الذي كان يتهم المملكة زوراً وبهتاناً بالرجعية وبالعمالة للغرب، ويصفها بأقبح الأوصاف وأخبثها، إن كان هو كذلك!! فمن المحتم أنه لا يسير مع حركة التاريخ, وحتميّة التغيير في المنطقة وهو يرى اليسار العربي يجثو على ركبتيه مستجدياً الأمريكان الإمبرياليين والغرب المستعمر بأن يهرع لضرب أوطانه جواً وبراً, وتخليصها من أنظمتها الدكتاتورية البغيضة التي طالما تغنى بعدالتها وحريتها وتقدُّمِيَّتها, ولم يتنبَّه إلى أن كل شيء قد تغيَّر من حوله؛ فلا حرية ولا اشتراكية ولا وحدة ولا صمود ولا تصدي, إلا المملكة التي هي (ولله الحمد والمنة وبحوله وقوته وتوفيقه) لا تزال صامدة وباقية إن شاء الله على مبادئها التي رسمتها لنفسها منذ تأسيسها على يد الملك الموحّد عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود(رحمه الله). ولا تزال المملكة بحول الله وقوته حتى هذه اللحظة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حاملة كل هموم العالم العربي والعالم الإسلامي، ولا تزال أبوابها مفتوحة وصدور رجالها مرحبّة بكل من توصد الأبواب في وجهه، وتظلم الدنيا في عينيه ممن كانوا على خصومة معها حتى من عتاة اليسار العربي الذين شرّقوا وغرّبوا، وفي نهاية المطاف لم يجدوا بُدًّا من أن يُيَمِّموا وجوههم شطر المملكة العربية السعودية، فوجدوها الوطن الحاني المتسامح الذي لا يحمل ضغينة على أحد. وهاهم اليوم يعيشون بأمن وأمان على ترابها المعطاء، وشعارها: عفا الله عما سلف، فإذا كنت يا أخي تنشد الشهرة حينما تنال من المملكة، فإن الذين يصفِّقون لك قلة قليلة أمام الملايين من العرب والمسلمين الذين تغيظهم مواقفك المشبوهة وإساءاتك المتكررة المستفزة للمملكة التي يكنّون لها كل تقدير ومحبة واحترام، فَعُدْ إلى رشدك يا أخي، وراجع نفسك، وسترى أنك على غير حق في مواقفك الظالمة وغير المبررة ضدّ المملكة، ورحم الله عبداً مَحَضَني النصيحة بأمانة وصدق وإخلاص.