رحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، وسقطت القطعة الأولى في شطرنج نظام الملالي، وأصبحت إيران على فوهة بركان، بعد أن ترددت أنباء قوية تؤكد أن وفاة الوجه الناعم للنظام الإرهابي الإيراني لم تكن طبيعية. وأن عملية موته مدبرة، ويقف وراءها رجال دين، وعلى رأسهم المرشد العام علي خامنئي، والمتهم من قبل أنصار رفسنجاني (83 عامًا) بأنه المستفيد الأول من موت أقوى الداعمين ل"روحاني"، والذي طالب قبل ساعات من رحيله بتعديل الدستور، وإعادة النظر في منصب المرشد العام الذي يريد أن يحتفظ به خامنئي لابنه "مجتبي" بعد التخلص من أقوى منافسيه فيروزعبادي. ومما يؤكد شكوك موته المفاجئ أن الرجل لم يكن وحسب مصادر إيرانية قريبة من النظام يعاني تدهوراً صحياً، وقبل ساعات من موته كان في مكتبه يمارس عمله بشكل طبيعيً وقد التقى حينها بعناصر من الحرس الثوري، إضافة إلى حالة التوتر الشديدة والخلافات المحتدمة بين قيادات قطبي النظام والتيارين الرئيسيين المتصارعين على الحكم (التيار المحافظ ويتصدره خامنئي، والتيار الإصلاحي ويدعمه رفسنجاني)، حيث وصلت الخلافات إلى حد تبادل الاتهامات العلنية بالخيانة . ويدعم هذه الشكوك الهجوم الذي شنه الملا محمد رضا زائري المقرب من خامنئي على رفسنجاني والرئيس حسن روحاني وقوله "يظن أنه (يقصد روحاني) من سلالة هاشمية وروحانية جاءت بديلاً عن البهلوية والقجرية! ليتوخَّ روحاني الحذر من أن يلقى مصير هاشمي رفسنجاني الذي هو شيخ مذبذب وبائس". ولا يخفي على أحد تغريدة رفسنجاني، التي قال فيها: إن "عالم الغد هو عالم الحوار، وليس عالم الصواريخ" في إشارة إلى اعتراضه على التجارب الصاروخية الإيرانية ؛ مما أغضب خامنئي (المحافظ)، وجعله يشن هجومًا عنيفًا على رفسنجاني ووصفه وفريقه الإصلاحي بالجهل والفوضوية والخيانة. واتسعت هوة الخلافات وتعمقت بعد أن اتهم أنصار خامنئي رفسنجاني بأنه زعيم خفي لتيار داخلي يروج لإضعاف القدرة الدفاعية لإيران. وبسبب هذا التوتر الداخلي؛ ألغى روحاني زيارته للنمسا وقرر البقاء في طهران لحماية حليفه رفسنجاني، والدفاع عن "إنجازاته" في توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى. وطالت (حرب خامنئي ورفسنجاني) المنابر الدينية ووصف الملا بناهيان في صلاة الجمعة بمدينة مشهد، رفسنجاني بأنه من "الخوارج". ومع أن رفسنجاني (المولود في طهران عام 1939) وخامئني، كانا رفيقان في درب واحد وينتميان لمشروع توسعي فارسي واحد، يقوم على خداع العرب، إلا أن لكل منهما أدواته وأهدافه. وإذا كان خامنئي يحتمي بمن حوله من رجال الدين المؤثرين في عصب نظام الملالي، إلا أن رفسنجاني ورغم قلة عدد أنصاره الذين لا يتجاوزون نسبة ال5% كان يملك خزائن أسرار الثورة الخمينية، وكان المسئول الأول عن فريق اغتيالات المعارضين لها، ويشار إليه بأصابع الاتهام بأنه وزبانيته كانو وراء مقتل الكثير من علماء وشيوخ أهل السنة. وتاريخ رفسنجاني حافل بالعلاقات الخفية مع الدول الكبرى، وهوالوحيد بين رجال الثورة الإيرانية الذي فتح حوارًا مع الأمريكيين عبر اتصالات سرية عرفت باسم "إيران جيت"، في فترة حكم رونالد ريجان. وهو أيضًا من دعم أرمينيا المسيحيه بالمال والسلاح ضد جمهورية أذربيجان الشيعية الإسلامية بسبب الصراع على النفط في بحر قزوين بين تلك الدول. وشارك رفسنجاني في تأسيس حزب الله ودعم موسى الصدر في لبنان، وأحضر مقاتلين من لبنان من حزب الله لقتال العراقيين. ورغم دعمه الشديد للحزب يصفه بعض المنشقين عن الحزب ب"الحشاش". وهو أيضًا من اشترى صفقة السلاح الإسرائيلية في بداية حرب إيران مع العراق. وعلى الرغم من إقصاء رفسنجاني في انتخابات 2013، والقبض على ابنه مهدي والحكم عليه بالسجن واتهام أحمدي نجاد (الرئيس السابق) له باختلاس المليارات وقبول رشاوى، فإن شوكة الرجل ظلت قوية، وطغت شخصيته في فترات كثيرة على مكانة المرشد العام، وهو ما أثار قلق خامنئي ورجاله، خاصة وأن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وكان رفسنجاني (الرئيس السابق لإيران مرتين عام 1989 ثم 1993) يعد العدة لها بدعم شديد من التيار الإصلاحي. وظل رفسنجاني، الذي وصفه الخمينى ب "عقل الثورة" منذ ظهوره في مشهد الحكم الإيراني قبل 38 عامًا يلعب دور الرجل الثاني، ولكن دوره الأكثر خطورة كان في قمع المعارضين وتصدير الإرهاب والثورة الخمينية، ووصفه المثقفون ب"كاردينال السياسة الإيرانية الأشيب"، أما خصومه فوصفوه ب"سمك القرش"، وأطلق عليه الشارع الإيراني لقب "أكبر شاه". وإذا كان الرجل الذي كان الخميني يصفه بأنه "عقل الثورة" رمانة ميزان الحكم في طهران، فإن غيابه عن المشهد يفقد نظام الملالي بوصلة تعادله الداخلي والخارجي. وكما قالت مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية: "بموت رفسنجاني انهار أحد ركني النظام الفاشي الديني الحاكم في إيران وعامل توازنه مما يقرب النظام برمته إلى السقوط". إن ما يتردد الآن من أنباء عن اغتيال رفسنجاني بحقنة كيماوية، وليس وفاته بأزمة قلبية يكشف للعالم حقيقة إيران من الداخل، ويؤكد أن القائمين على هذه الدولة لا يهمهم مصلحتها بقدر ما يهمهم تثبيت أركانهم في الحكم وتحقيق مصالحهم الشخصية، والدليل ذلك الصراع الخفي بين رجال الدين من أجل التمسك بكرسى الحكم أو على الأقل البقاء في حضن نظام يساعدهم على تحقيق أهدافهم وأغراضهم عبر قنوات كثيرة من الفساد الذى وصل إلى صفوف القضاء.