ضمن سلسلة الندوات الشهرية لتعزيز الوسطية والأمن الفكري ومكافحة الغلو والإرهاب ألقى فضيلة الشيخ الدكتور هاني أحمد عبدالرحمن عبدالشكور عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة محاضرة بعنوان : (فقه الأزمات والنوازل) بقاعة المحاضرات بدار الحديث المكية بمكة المكرمة بحضور فضيلة الشيخ محمد مرزا عالم مدير مركز الدعوة والارشاد بمكة المكرمة ورئيس لجنة الندوات الشهرية لتعزيز الوسطية والأمن الفكري والغلو ، وعضو اللجنة الشيخ محمد سعود الحربي والشيخ صالح الفهمي امام وخطيب جامع عمر بادحدح وأ.صالح بن يوسف الزهراني مدير دار الحديث المكية بمكة المكرمة وجمع من أئمة وخطباء المساجد بمكة المكرمة وقد بدأت المحاضرة بالتعريف بالفتن والنوازل والأزمات. أ- تعريف الفتن: لغة: جمع فتنة، وهي تطلق لغة على : الاختبار بالنار أو على الابتلاء كما قال تعالى : (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) ، وعلى الإعجاب بالشيء والاستهتار به ، وعلى الاضطراب وبلبلة الأفكار كما قال تعالى: (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) وعلى الضلال ما قال تعالى : (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً) وغير ذلك. وبالجملة فهي تطلق على: الضلال والإثم والكفر والفضيحة والعذاب وإذابة الذهب والفضلة والإضلال والجنون والمحنة والمال والأولاد واختلاف الناس في الآراء. وأصل الفتنة: الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالكفر والإثم والتحريض والفضيحة والفجور ، وغير ذلك. ومن خلال ما ذكر نستطيع أن نحدد مفهومين للفظ الفتنة: 1- الامتحان والابتلاء والاختبار. 2- الاختلاف والتنازع. وقد وردت النصوص الشرعية في كل أنواع الفتن والتحذير منها وبيان كيفية التعامل مع كل نوع منها. وموضوع هذه الدراسة هو الفتنة بمعنى الاختلاف والتنازع في الفكر، والذي يقضى في بعض الأحيان إلى حمل السلاح وإراقة الدماء. تعريف الفتن اصطلاحاً: ولهذا عرفها الامام ابن حجر (رحمه الله) بأنها: (كل أمر يكشفه الامتحان عن سوء) أو (ما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه). ب- تعريف النوازل: لغة : جمع نازلة: وهي المصيبة الشديدة من شدائد الدهر، وفي الاصطلاح: تطلق كلمة النوازل بوجه عام على المسائل والوقائع التي تستدعي حكماً شرعياً، وهي بهذا المعنى تشمل جميع الحوادث التي تحتاج لفتوى أو اجتهاد ، لتبين حكمها الشرعي سواء كانت هذه الحوادث متكررة أم نادرة الحدوث قديمة أم جديدة. ويفرق بعضهم بين النوازل والوقائع والمستجدات: فيرى أن النوازل هي المسائل الواقعة إذا كانت مستجدة، وكانت ملحة أي أنها تستدعي حكماً شرعياً. أما الوقائع فتطلق على كل واقعة مستجدة كانت أو غير مستجدة، وقد تستدعي حكماً شرعياً وقد لا تستدعيه. أما المستجدات فتطلق على كل مسألة جديدة، سواء كانت من قبيل المسائل الواقعة أو المقدرة ، وقد تستدعي حكماً شرعياً وقد لا تستدعيه. وخلاصة الكلام: أن النوازل لابد أن يتعلق بها حكم شرعي، أما الوقائع والمستجدات فلا يلزم أن يتعلق بها حكم شرعي. ج- تعريف الأزمات: جمع أزمة وهي: تطلق على الضيق والشدة ، ويقال: أزمة مالية، وأزمة سياسية ، وأزمة مرضية، والهمزة والزاي والميم أصل واحد، وهو الضيق ، وتداني الشيء من الشيء بشدة والتفات. والخلاصة: أن الفتن والنوازل والأزمات هي أمور تحدث في المجتمعات تحتاج إلى فقه في فهمها، وفقه في كيفية التعامل معها. والفتن والنوازل والأزمات قسمان: 1- فتن أو نوازل أو أزمات فردية أو خاصة تخص الفرد نفسه: فقد يفتن الإنسان في نفسه أو ولده أو ماله، وقد تنزل به نازلة خاصة به كالتعامل بالبطاقات البنكية أو التصوير ونحو ذلك ، أو أزمات فردية خاصة بالفرد في ماله أو وظيفته ونحو ذلك. ويدل على ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند عمر رضي الله عنه، إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة، قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عن هذا أسأل ، ولكن التي تموج كموج البحر ، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح ، قال: لا بل يكسر ، قال عمر: إذن لا يغلق أبداً، قلت : أجل. قال الراوي: قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أنى حديثه حديثاً ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب فأمرنا مسروقاً فسأله ، فقال: من الباب، قال عمر ). 2- فتن كبرى أو نوازل كبرى عامة تنزل بالمجتمعات أو الأمة البشرية كالحروب والمعاهدات والأزمات المالية الدولية ونحو ذلك ، وهذا النوع من الفتن لا يمكن التعامل معه إلا عن طريق المجامع العلمية والمراكز البحثية المتخصصة والعلماء المتخصصين فيه هذا النوع من الفتن أو النوازل والأزمات. ومن هنا ننطلق إلى الدخول إلى فقه الفتن والأزمات والنوازل التي تنزل بالأمة والمجتمعات ، وينقسم هذا الفقه إلى قسمين: القسم الأول : فقه التعامل مع الفتن والنوازل والأزمات العام: نعني به موقف الفرد المسلم في التعامل مع الفتن والنوازل والأزمات التي تكون عامة ، ويمكن من خلال استقراء النصوص الشرعية أن نجمل هذه الصفة في التعامل الفردي مع الفتن في الآتي: 1- اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى: وذلك أن هذه الفتن والنوازل هي نوع من الابتلاء والامتحان أو العقوبة كما قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) وقال تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) روى البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآية: يلبسكم يخلطكم من الالتباس، يلبسوا يخلطوا شيعاً فرقا، ثم ذكر الآية (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بوجهك ) (أو من تحت أرجلكم ) قال: أعوذ بوجهك (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذه أهون- أو - أيسر). وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) أما انها كانت ولم يأت تأويلها بعد. وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بن معاوية فدخل فصلى ركعتين ، فصلينا معه فناجى ربه طويلاً ثم قال: (سألت ربي ثلاثاً، سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) وزاد الإمام أحمد في آخر هذه الرواية قال: صدقت فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة ، ومن معاني الهرج: الاختلاط والفتنة وشدة القتل. وعند وقوع الفتنة والبلاء لابد من اللجوء إلى الله والتوبة والاستغفار كما قال تعالى: ( فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون). 2- العبادة: والمقصود كثرة التقرب إلى الله بالطاعات ، وأنواع القربات والعبادات ، وهو توجيه نبوي كريم أشار إليه حديث معقل بن يسار رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (العبادة في الهرج كهجرة إليَّ) وفي رواية عنه أيضاً: (عبادة في الهرج أو الفتنة كهجرة إليَّ). ولعل الحكمة في ذلك تكون في الآتي: 1- أن الناس في الفتنة واختلاط أمور الناس يغفلون عن العبادة ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد كما قال الإمام النووي في شرح الحديث . 2- أن الانشغال عن العباد يجعل المسلم ينصرف عن الخوض في الفتنة وهو مطلوب شرعاً من المسلم عند وقوع الفتن، ولهذا جاء : الجزاء من جنس العمل، فالذي هجر الفتنة إلى طاقة وقربة يستحق أجر الذي هجر الكفر والشرك إلى الايمان بالله ورسوله. 3- أن الانصراف إلى عبادة الله فيه اشارة إلى أن الملجأ في النجاة من الفتنة هو بالاعتصام بالله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . 4- أن الانشغال بالطاعة والعباد واللجوء إلى الله لا سيما بالدعاء سبب لوضوح الحق وبيان الباطل وانشراح النفس إلى ما يرضى الله لشدة قربها من الله وتعلقها به بسبب كثرة التعبد له سبحانه. 3- عدم التعرض للفتن والحذر من الوقوع فيها: وهو ما أشار إليه الحديث في الفقرة السابقة ، ونبه إليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه ، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به). وحديث أبي هريرة أيضاً أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له واشراف اللسان فيها كوقوع السيف). وروى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: (دخلت على حفصة ونسواتها تنطف قلت قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يجعل لي من الأمر شيء فقالت الحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة ، فلم تدعه حتى ذهب فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه، (يعرض بابن عمر) قال حبيب بن مسلمة: فهلاً أجبته؟ ، قال عبدالله : فحللت حبوتي وهممت أن أقول:أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان قال حبيب : حفظت وعصمت). فانظر إلى سعة أفق عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وحسن فقهه حيث نظر إلى المآلات إن هو تكلم في الفتنة وعواقب ذلك كما قال: 1- تفريق كلمة المسلمين. 2- سفك الدماء. 3- تحريف الكلام واشاعته بين الناس. وكل واحد من هذه الأمور هو بحد ذاته مفسدة عظيمة، ولهذا كما قال حبيب: عصم ابن عمر وحفظ من الوقوع في الفتن. ومن هنا جاء التحذير القرآني في عدم الخوض أو الكلام في المسائل العامة التي تقع في المسلمين كقضايا الحرب والسلم ، أو الأمن والخوف ، بل يرد الأمر إلى أهله وهم الأئمة والعلماء ، ولا يشاع ويتناقل من العامة، وذلك في قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم). 4- لزوم جماعة المسلمين: ويدل على هذا حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه المشهور، قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يارسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال: نعم ، وفيه دخن، قلت: وما دخنه ، قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ، قال : نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يارسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة، ومنها حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار). قال الامام الشاطبي رحمه الله بعد ذكر الأقوال الواردة في المراد بمصطلح الجماعة: (وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة). والحث على لزوم الجماعة جاء في النصوص الشرعية حتى وإن كان حصل من الإمام مخالفات شرعية فإن الخير في الجماعة والوحدة، والشر في الفرق والاختلاف، عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية). وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: ( أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به ، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة). قال شارح الطحاوية رحمه الله: (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ..فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم ). القسم الثاني: فقه التعامل مع الفتن والأزمات والنوازل الخاص: أي : تعامل العلماء وأهل الفتوى والأمراء ، وهو أخطر من سابقه وأهم ، لأن الله سبحانه جعل المرجعية في هذه الأمور النازلة في المسلمين إلى أهل الفتوى والرأي في المسلمين فهم الهداة وهم المتبوعون كما قال تعالى: ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) فدلت هذه الآية على أن المسائل النازلة بالأمة مرجعها قبل إشاعتها وتداولها بين العامة إلى: 1- الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقوم مقامه بعد وفاته سنته ، ومن يفهمها ويفسرها ويفهمها من العلماء. 2- ولاة الأمر الذين يتصفون بصفة القدرة على الاستنباط وأولو الأمر في النص الشرعي هم الأمراء والعلماء وهم نوعان: أ- نوع يستطيع استنباط الأحكام الشرعية ومعنى الاستناط أي: استخراج الحكم الشرعي بفهم واجتهاد ، وهم أهل الفتوى الذين توفرت فيهم صفات المجتهدين. ب- نوع لا يستطيعون استنباط الأحكام الشرعية مع علمهم بها أو بكثير منها. وذلك أن تنزيل الأحكام على الوقائع شيء ، والعلم بها شيء آخر ، وهو ما يسميه الأصوليون : تحقيق المناط ، والمراد به كما قال ابن القيم رحمه الله: (ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات حتى يحيط به علماً). والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجراً ، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ). فالمرجعية عند الفتن واختلاف أمور الناس إنما يكون إلى: الفقه والعالم الراسخ في العلم وهو من يفهم الحكم الشرعي بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وينظر إلى واقع الفتوى ومدى انطباق هذا الحكم الشرعي على هذه الواقعة ، ولا يكون ذلك إلا لمن امتلك أدوات شرعية وعقلية منها: 1- توفر شروط الفتوى عنده. 2- الفهم الصحيح للواقعة. 3- اعتبار المآلات والمصالح والمفاسد للفتوى ، وهذه كما قال الإمام الشاطبي : إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما : فهم الشريعة على كمالها ، والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها (الموافقات 5/41-42) . 4- مشاورة أهل العلم والخبرة من العلماء والفقهاء والخبراء أو ما يسمى بالاجتهاد الجماعي. 5- التأني وعدم العجلة حتى تظهر الأمور وتتضح الحقائق كما في حديث وهب بن عمرو الجمحي الذي أخرجه الدارمي وغيره (برقم 121) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها ، فإنكم إن لا تعجلوها قبل نزولها ، لا ينفك المسلمون وفيهم إذا هي نزلت من إذا قال وفق وسدد، وإنكم إن تعجلوها، تختلف بكم الأهواء، فتأخذوا هكذا وهكذا) وأشار بين يديه وعن يمينه وعن شماله. وفي بعض الأحيان يلزم المفتي أن لا يتأخر عن بيان الحق للناس لأن في تأخيره ضرراً بهم والشرع. 6- أن يكون متعاملاً مع هذه النوازل بالتعامل العام الذي سبق ذكره في القسم الأول، فهو وإن حمل صفة الفقيه وأمانة المرجعية فإنه يبقى فرداً مسلماً ينبغي أن يتعامل مع هذه الفتن بهدي الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكل نقطة مما ذكر تفصيل وكلام للعلماء فيها نتركه خشية الإطالة والله من وراء القصد. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين