كل يومٍ بعد العمل، يقضي عبد الرازق المرجان ساعاتٍ على تويتر، ليخترق شبكات الشباب الإسلامي المتطرف ويمنع مجموعات مثل تنظيم "داعش" من تجنيدهم. أكثر الأسلحة فاعلية في جعبته هو المعرفة بإسلام بلده المحافظ. يقول مرجان، خبير العلوم الجنائية الرقمية والعضو القيادي بمبادرة تطوعية تُدعى "السكينة"، لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن "المملكة العربية السعودية هي قلب الإسلام. لا يمكنهم العبث بنا" عندما يتعلّق الأمر بالتفسيرات الدينية. ويُكمل: "إننا نعرف كيف نجتذب (القاعدة) و(داعش) إلى حوارنا، وكيف نُخزيهم، وكيف نتحدّاهم"، وفق ماجاء في صحيفة Wall Street Journal. تُعتبر مبادرة "السكينة"، التي تعمل بشكلٍ مستقل، مكمّلة لجهود سعودية أخرى. السعودية، التي طالما اتُّهمت بإفراز جهاديين بالتفسيرات المتشّددة، تستخدم الآن ذلك النفوذ الديني في مجابهة التطرف العنيف. لوري بلوتكين بوغهارت، الخبير بدول الخليج في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول إن "السعوديين جزء من الحل". ركّزت الكثير من الجهود العالمية في مواجهة زرع التطرّف عبر شبكة الإنترنت على دفع شركات التقنية إلى فعل المزيد بهدف منع الإرهابيين من استخدام منصات التواصل الاجتماعي في نشر قضيتهم. لكن حرّاس مبادرة "السكينة" يقدّمون نهجاً مختلفاً: الاشتباك مع المسلّحين المحتملين وإبعادهم عن التطرّف العنيف. تركيزهم الأوّل هو تويتر، منصّة يتكاثر فيها المتطرّفون باستمرار، وفقاً لأعضاء "السكينة". ولقد تحرّكت إدارة أوباما أيضاً في اتجاه ردع المجنّدين المحتمَلين في منطقة نفوذها الخاصة، محوّلة تركيز دعايتها المضادة هذا العام بعيداً عن توجيه الرسائل الحكومية، لتركّز على مصادر تبدو أكثر مصداقية في أعين المتطرفين المحتملين. وقد طبّقت "السكينة" هذه الاستراتيجية لأكثر من عقدٍ كامل. يتراوح عدد أعضاء الحملة بين 30 و80 شخصاً، أغلبهم سعوديون. بينهم علماء نفسٍ، وخبراء في تكنولوجيا المعلومات، وبالتأكيد، علماء مسلمون. عندما وجّه إرهابيون بايعوا تنظيم "الدولة الإسلامية" ضربتهم في بروكسل في مارس/آذار، لجأ المتطرفون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن مجنّدين محتملين. تدخّل متطوعو "السكينة"، متتبعين هؤلاء الذين عبّروا عن دعمهم للهجمات، وأغلبهم يغرّد باللغة العربية. على مدار أسابيع، تواصل الفريق الصغير مع نحو 500 شخصٍ حول العالم على موقع تويتر. وفي أحد الحوارات، سأل متطوّع بالمبادرة أحد المتعاطفين مع "الدولة الإسلامية": "تخيّل لو أن (داعش) استولت على المسجد الحرام!"، أقدس المعالم الإسلامية، في مكة السعودية، "هل سيسمحون لنا بالصلاة هناك؟". وأضاف المتطوع: "(داعش) ترتكب المعاصي، وأعضاؤها كافرون". تقول "السكينة" إنّ نحو ثلث محاولاتها تنجح في إقناع الناس بالتخلي عن رؤاهم المتطرفة، بناءً على تحليلاتها للسلوكيات طويلة المدى لأكثر من 3 آلاف شخصٍ تواصل معهم أعضاؤها منذ تشكيل المبادرة في 2003. لكن المملكة استخدمت نفوذها في أوساط المسلمين السنيين في محاربة الفكر المتطرف. فقد دفعت الحكومة كبار الشيوخ لنبذ الأيديولوجيات العنيفة، وتُدير برنامجاً لإعادة تأهيل الجهاديين السعوديين. وقال الامير محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية، في سبتمبر/أيلول، إن "محاربة الخطاب المتطرّف والأيديولوجيات التي تُغذي الإرهاب هي بلا شك من أولويات المملكة العربية السعودية". جاءت الصحوة من هجمات 11 سبتمبر، والتي أدّت إلى ضغطٍ عالمي شديد على الفكر المتطرف وتمويل الإرهاب. رفعت المملكة من جهود مكافحة الإرهاب عندما شنّ تنظيم القاعدة حملة تفجيرات في السعودية، وأيضاً مع صعود "داعش"، والتي نفذت عشرات الهجمات في المملكة منذ 2014. بدأت "السكينة" في محاربة المتطرّفين على شبكة الإنترنت في عام 2003، عندما بدأ موظّف حكومي شاب، يُدعى عبد المنعم المشوح، في استغلال وقت فراغه في مراقبة ومجابهة المتطرفين المنتسبين إلى جماعات مثل "القاعدة" على المنتديات الحوارية. وسرعان ما انضمّ إليه آخرون. في أحد الحوارات عام 2003، نعتَ أحد مؤيدي "القاعدة" الحكومة السعودية بأنها "خائنة بسبب صِلاتها بالدول المعادية"، في إشارة إلى حلفاء الرياض الغربيين. فردّ أحد متطوعي "السَكينة" قائلاً: "السعودية نموذج الإسلام في العالم. الحرب ضد السعودية هي حربٌ ضد الإسلام". وقد أثارت نشاطات "السكينة" تهديداتٍ بالقتل. كثيراً ما يُناقش متطوعو مبادرة "السكينة" في محادثاتهم مبدأ الجهاد الإسلامي، والذي يُفسّر غالباً على أنّه يعني الحرب المقدسة. يُجادلون، بالتماشي مع موقف الحكومة السعودية، بأن الحكام فقط بإمكانهم تشريع الجهاد، وأن أفضل الجهاد هو مجابهة المتطرفين الذين يسيئون إلى عقيدتهم المشتركة. يقول المشوح: "شخصٌ واحد فقط يجعل العمل الشاق كله يستحق. إن شاهدت شخصاً واحداً فقط يغيّر رأيه أو تغيّر رأيها، فإن هذا يجعلك سعيداً".