أجمل الذكريات هي تلك التي تعود علينا بالفرح الحقيقي، وندرك عبرها معنى الفرق الكبير الذي حدث لنا بمرور اليوم التأسيسي الأول لولادة الوطن. لكن حين تتجدد الذكرى ثم ندرك في كل عام مغزى فكرة التقدم التي أصبح عليها حال الوطن منذ ذلك اليوم التأسيسي الأول لميلاده؛ فإن معنى الفرح يكون مضاعفًا لأن في كل ذكرى جديدة ليوم الوطن؛ تقدم جديد لحياتنا في الوطن! هناك بعض الأحداث الكبرى في التاريخ نسمع بها، وإن لم نعش أوان حدوثها، لكننا بكل تأكيد ندرك آثارها في حياتنا على نحو يمنحنا معرفة يقينية بأنه لولا ذلك اليوم الكبير لما كان حالنا على ما نحن عليه اليوم؟ هكذا يمكننا التماس مغزى اليوم الوطني في حياتنا؛ فأيام الوطن في الحقيقة هي حياتنا داخل الوطن؛ هي مصيرنا وعلاقاتنا ومجتمعنا وآمالنا وأمانينا ومستقبلنا كذلك، لكن الذكرى المتجددة وحدها هي ما تمنحنا شعوراً وطنيًا عميقًا بيوم الوطن حين يهل علينا من كل عام. ذكرى الوطن هي ذكرى الوحدة؛ ذكرى أعظم إنجاز لأهل الجزيرة العربية منذ القرون الوسطى تقريبا. لقد كانت حاجتنا للوحدة على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل رحمه الله قبل 86 عامًا من اليوم هي أشد ما نحتاج إليه لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية في حياتنا العامة كشعب، وبفضل الله تمكن الملك عبد العزيز من إنجاز هذا الصرح العظيم برؤية استراتيجية عميقة لمستقبل العيش في المملكة. تحت شعار التوحيد وراية الوحدة قامت المملكة العربية السعودية التي ننعم بالانتماء إليها، فالتوحيد هويتنا والوحدة وسيلتنا للقوة والدفاع عن الوطن. وحين يمر علينا يوم الوطن من كل عام فعلينا أن نستشعر هاتين الحقيقتين في حياتنا، فمن خلال التوحيد وعبر الوحدة تتجسد الكثير من قيم الإسلام وشروط المواطنة التي هي صورة لنمط العيش داخل الوطن الواحد. يأتي اليوم الوطني هذا العام، والعام الذي مضى، ومملكتنا الحبيبة تمر بظروف وتحديات داخلية وخارجية، وإذا كان الاحتفال والفرح هو الطريقة التي ظللنا نعبر بها عن إحساسنا الوطني في الأعوام السابقة، فإن في هذا العام والذي سبقه يتعين علينا إلى جانب رمزية الاحتفال استشعار قيم وطنية أخرى ربما كانت هي الأولى اليوم بالتمثل، مثل قيم الجهاد والتضحية والبذل والعطاء. إن احتفالنا باليوم الوطني لا بد أن يعكس حقيقة احساسنا بالوطن في جميع أحواله رخاءً وشدة، حربًا وسلمًا، وأن يدل على وعينا بتلك الأحداث التي يمر بها الوطن وهكذا سنجد أن طبيعة ذكرى يوم الوطن التي تمر بنا خلال هذا العام تقتضي منا التخفيف من الجوانب الاحتفالية والتركيز على الجوانب المتصلة بشحذ الحماس للدفاع عن الوطن، وتعزيز قيم التعاون في الذود عن حياضه، وتعميق شعور المشاركة الوجدانية مع أبطال الوطن من الشهداء والجرحى وذويهم. لابد أن يكون تعبيرنا عن الشعور بيوم الوطن هو إحساس بالانتماء وبما يمثله هذا الانتماء من قيم وطنية كالفداء، والحب، والدفاع وغير ذلك من دوافع الاعتزاز بيوم الوطن ودلالات التعبير عنه بمقتضى الحال. تشهد المملكة اليوم في حدها الجنوبي حربًا شعواء ضد المعتدين، بذل فيها أبناء الوطن ما يستحقه من واجب الدفاع وملاحم الفداء التي يسطرها جنودنا البواسل. وبقدوم النصر إن شاء الله، ودحر الأعداء ستكون بطولات شهداء قواتنا المسلحة في الحد الجنوبي تاريخًا مشرفًا وأثرًا مجيدًا للذكرى، ونبراسًا للأجيال القادمة في سبيل الدفاع عن الوطن. ذكرى يوم الوطن ذكرى غالية على نفوسنا، ولا بد أن يكون إدراكنا لهذه الذكرى مناسبًا لما يستحقه منا الوطن من واجب الدفاع والتضحية والبذل؛ فمملكتنا الحبيبة هي من أغلى ما نملك.