على خطى والده، الذي أسس لعلاقات سياسية واقتصادية متميزة مع اليابان، يبني ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان علاقات جديدة متنوعة مع قادة أقوى وأكبر دولة تقنية في العالم، تنطلق من مبدأ المصلحة المشتركة، وتعزيز التعاون والعلاقات التجارية والاقتصادية والفنية والتعليمية والعلمية والثقافية، ودعم المشاريع الوطنية، الصناعية، التى تتفق مع رؤية المملكة 2030، ومنهجها الجديد في تحرير الاقتصاد السعودي من قيوده التقليدية. وإعادة توجيهه بعيدًا عن التأثر بالموارد النفطية المتقلبة، مع إعداد شرايينه للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة في المجالات الصناعية والتجارية، وهو ما يركز عليه الأمير محمد بن سلمان، في زيارته لليابان للاستفادة من تقدمها التقني العالمي، ونجاحها الهائل في تنمية الموارد البشرية، بهدف تحويل السعودي إلى (مواطن تكنولوجي) منتج قادر على مواجهة التحديات الآنية، برغبة مؤكدة في صنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة. كما تستهدف زيارة محمد بن سلمان زيادة تدفق حجم الاستثمارات اليابانية في القطاعات الصناعية والخدمية في المملكة، بالإضافة إلى توظيف خبرات اليابانيين في مجالات الطاقة النووية السلمية والمتجددة لخدمة الشركات السعودية، واستثمار رغبة اليابانيين في الاستفادة من المزايا النسبية المتوفرة في الاقتصاد السعودي، وما ينعم به من استقرار ونماء. ورغم أن المصالح التجارية والاقتصادية تمثل ركيزة أساسية مهمة في العلاقات السعودية اليابانية التى دخلت عقدها السابع، إلا أن أجمل ما يميز هذه العلاقات ذلك التوافق السياسي بين الدولتين، والمنسجم مع نظرة الشعبين، تجاه القضايا الدولية والإقليمية والعربية، وعدم المساس بالمصالح السياسية الرئيسية وفي مقدمتها، أمن الطاقة ودعم الاستقرارالسياسي في المنطقتين العربية والخليجية. ويتضح ذلك جليًا في المواقف المشتركة تجاه دعم القضية الفلسطينية، وتصويت اليابان إيجابًا على قرار الجمعية العامة في الأممالمتحدة لمنح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأممالمتحدة، وكذلك الرفض التام للإرهاب وما تتعرض له المملكة من حملات لتشويه صورتها ومكانتها الدولية ومسئوليتها الدينية العالمية، وهو ما يؤكد عليه دائمًا رئيس الوزراء الياباني دائمًا برغبة بلاده وحرصها على توثيق العلاقات الأمنية والسياسية المشتركة. وتؤكد الرياضوطوكيو دائمًا على التزامهما الكامل بتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في الشرق الأوسط، وفقًا لمبادرة السلام العربية وقرارات الأممالمتحدة، وتتفق الدولتان على سرعة وضع حلول عاجلة لإنهاء معاناة الشعب الفلسطينى، بتبني حل الدولتين الهادف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتحدة وقابلة للحياة. ولا تمر مناسبة دولية أو إقليمية، إلا وتعبر فيها اليابان عن قلقها حيال الأوضاع الدموية والمتفاقمة في دمشق، وإدانة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في سوريا والعراق واليمن على يد الميليشيات التابعة لنظام طهران وتتفق اليابان أيضًا مع رؤية المملكة الرامية إلى توقيع جميع الدول في الشرق الأوسط على الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وجعل منطقة الشرق الأوسط والخليج خالية من جميع الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، ومواجهة برنامج إيران النووي. وتتميز العلاقات السعودية اليابانية بمتانتها وتجذرها، فهي تعود إلى عام 1938م، ومرت بمراحل كبيرة من التطور السريع مهد الطريق إلى لجنة مشتركة، ومجلس أعمال بين البلدين، دعمًا للروابط التاربخية التي انطلقت على المستوى الشعبي أولاً مع بدايات عام 1909، عندما جاء بعض اليابانيين المسلمين إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج. ومن المستوى الشعبي إلى الرسمي، كانت فرحة اليابانيين المسلمين كبيرة وهم يستقبلون المبعوث السعودي لدى إنجلترا حافظ وهبة خلال زيارته اليابان لحضور افتتاح مسجد طوكيو، وفي عام 1939م، زار المبعوث الياباني لدى مصر "ماسايوكي يوكوياما" المملكة، لأول مرة كمسئول ياباني يلتقي الملك عبد العزيز في الرياض. وبعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عام 1953م أرسلت اليابان أول وفد اقتصادي لها، كان بمثابة حجر الأساس لمرحلة أخرى من العلاقات القوية والمتميزة بين طوكيووالرياض، توجت بإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين الدولتين عام 1955م. وكان منح المملكة حق امتياز التنقيب عن البترول لشركة يابانية في ديسمبر 1957م، نقطة الإنطلاق المحورية لدعم العلاقات الاقتصادية، ومع بدء الاكتشاف التجريبى للنفط عام 1960م، توجه الأمير سلطان بن عبد العزيز، والذي كان يرحمه الله يشغل منصب وزير المواصلات آنذاك بزيارة إلى طوكيو، فكان أول مسئول سعودي رفيع المستوى يزوراليابان في ذلك الوقت، وعززت المملكة هذه الخطوة بزيارة ناجحة للملك فيصل لليابان عام 1971، أطرت لصداقة ثنائية بين الدولتين. وسرعان ما تطورت العلاقات بين العائلة الإمبراطورية اليابانية والعائلة المالكة السعودية، وقام ولي عهد اليابان آنذاك الأمير أكيهيتو وزوجته ميتشيكو بزيارة للمملكة عام 1981، ونيابة عن الملك فهد حضر الأمير نواف بن عبد العزيز مراسيم تتويج الإمبراطور عام 1990، وقام ولي عهد اليابان الأمير ناروهيتو وزوجته الأميرة ماساكو بزيارة للمملكة عام 1994م. وتلت هذه الزيارات، جولات أخرى ناجحة لتحقيق الشراكة الكاملة بين السعودية واليابان، من أهمها زيارة رئيس وزراء اليابان "ريوتارو" عام 1997 والتقى خلالها الملك فهد يرحمه الله، ثم بعدها قام المغفور له الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد في ذلك الوقت، بزيارة اليابان عام 1998، ووقع خلالها اتفاقية التعاون السعودي الياباني مع رئيس الوزراء "كييزو اوبوتشي". وفي عام 2001 زار وزير الخارجية الياباني يوهي كونو المملكة وأعلن مبادراته في ثلاثة مجالات: تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي، وتطوير مصادر المياه، والحوار السياسي الواسع المتعدد مع الآخر. ثم توالت بعد ذلك الزيارات والاتفاقيات والبروتوكولات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بين الدولتين، كان من أهمها الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان – يحفظه الله – وليًا للعهد، حيث صنعت تلك الزيارة مرحلة أخرى مهمة في تاريخ العلاقات السعودية اليابانية والتي تقوم على (التعايش والتعاون والتسامح). كانت اجتماعات مايو 2013 بين الأمير سلمان (ولي العهد آنذاك) رئيس الوزراء الياباني "آبي" في الرياض، محطة دفع قوية للعلاقات بين طوكيووالرياض، تناولت العديد من الاتفاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وعمل البلدان بعد هذه الاجتماعات على تعزيز المشاورات السياسية والأمنية رفيعة المستوى بينهما، تجاه عدد من القضايا المهمة، ويأتي في مقدمتها: التعاون الدفاعي والعسكري وتعزيز الحوار الأمني ليشمل الأوضاع الإقليمية، الأمن البحري، أمن خطوط الملاحة البحرية، مكافحة القرصنة، حظر الانتشار النووي، مكافحة الإرهاب، المساعدات الإنسانية، إغاثة الكوارث. وينظر اليابانيون إلى المملكة على أنها صديق قديم للعالم العربي، وشريك مهم للغاية في مجال أمن الطاقة والصناعة، ويجب أن تكون هناك شراكة شاملة معه، لما يتمتع به من مكانة سياسية واقتصادية ودينية مرموقة ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في العالم كله. وكانت هذه النظرة مفتاح سر نجاح اجتماعات اللجنة السعودية – اليابانية المشتركة، وإنجازها للعديد من الأهداف المثمرة، وهو ما حققته أيضًا اجتماعات مجلس الأعمال السعودي – الياباني المشترك. ويرى خبراء ومختصون، أن اتجاه المملكة إلى الاقتصاد الآسيوي، وتجديد قنوات الاتصال معه، يأتي في وقته المناسب، نظرًا لما يشهده هذا الاقتصاد من نمو ملحوظ وازدهار واضح، يفوق بمراحل كبيرة الاقتصاد الغربي، الذي يعانى من بطء في النمو؛ أثر سلبًا على برامج الكثير من الدول الغربية حاليًا. وقال الخبراء إن حرص المملكة على توفير إمدادات مستقرة من النفط إلى اليابان، حتى خلال فترة الأزمات أو التغييرات التي تجري على المستوى الدولي وخاصة في فترة فرض العقوبات على إيران، يعكس إلى أي مدى تبقى السعودية حريصة على شراكتها الاقتصادية مع اليابان، ولاسيما في مشاريع مصافي النفط والكيماويات. ويتطلع الخبراء إلى أن تسفر زيارة الأمير محمد بن سلمان عن اتفاقيات اقتصادية جديدة مع الحكومة اليابانية والشركات المتقدمة تقنيًا لتطوير المشاريع التنموية السعودية في مجالات تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وتنمية الموارد المائية، وتوظيف التكنولوجيا النووية للاستخدامات المدنية، إضافة إلى مشاريع الطاقة الشمسية، واستغلال إمكانيات مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، لتحقيق هذا الغرض. يذكر أن السعودية تعد ثاني أكبر سوق لتصدير المنتجات اليابانية في منطقة الخليج، والأولى من حيث صادرات بلدان المجلس إلى اليابان، ومن أصل أكثر من 180 مليار دولار في إجمالي التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان تشكل التجارة بين الرياضوطوكيو أكثر من ثلث ذلك الرقم، أي نحو 63 مليار دولار، محققة بذلك أعلى نسب تجارة في المملكة مع أي دولة آسيوية أخرى، بما في ذلك الصين والهند وكوريا الجنوبية.