تأتي زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى اليابان، تتويجاً لعلاقات ثنائية بين البلدين، ممتدة منذ ثلاثينيات القرن الماضي إبان عهد الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، شهدت عدداً من الاتفاقات التجارية والاندماج السياسي. إن أول سجل لزيارة قام بها ياباني إلى السعودية الحالية كانت حين أدى كوتارو ياماوكا فريضة الحج مع فوج منغولي عام 1909. ثم كتب بعدها كتابين عن المشاق التي واجهها في الحج. ثم أدى ابي تاناكا فريضة الحج مرتين عامي 1924 و 1933 وقام العديد من المسلمين اليابانيين بزيارة مكة قبل الحرب العالمية الثانية.
فخلال نصف قرن من الزمان ترسخت العلاقات السعودية اليابانية القائمة في أساسها على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة في جميع المجالات.
وتمر العلاقات الثنائية بمرحلة متميزة ومهمة حالياً ضمن مراحل تاريخها الطويل الذي بدأ منذ عام 1938م، بزيارة مبعوث الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، المرحوم حافظ وهبة لحضور افتتاح مسجد طوكيو، ثم زار المملكة مبعوث ياباني للمرة الأولى في العام التالي مباشرة أي في عام 1939م، وهو ماسايوكي يوكوياما، والتقى جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز، ثم تطورت هذه العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية، إلى أن تمت إقامة علاقات دبلوماسية رسمية كاملة بين المملكة واليابان في عام 1955م.
وانطلقت بعد ذلك الزيارات الرسمية لكبار المسؤولين في البلدين، وبدأت بزيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمه الله إلى اليابان عام 1960م عندما كان وقتئذ وزيراً للمواصلات، ثم زيارة الملك فيصل عام 1971م، وتلا ذلك تبادل الوفود إلى أن توثقت عرى هذه العلاقة بين البلدين في الآونة الأخيرة خصوصاً عندما زار المملكة رئيس الوزراء الياباني ريوتارو هاشيموتو، واستقبله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله في عام 1997م، وصاغا "الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين".
وفي العام التالي زار طوكيو ولي عهد المملكة آنذاك، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حيث تم التوقيع على اتفاقية التعاون السعودي الياباني مع رئيس الوزراء الياباني كييزو اوبتشي.
لقد تطورت العلاقات بين العائلة الإمبراطورية اليابانية والعائلة المالكة السعودية من خلال هذه الزيارات المتتالية. قام ولي عهد اليابان الأمير أكيهيتو وزوجته ميتشيكو وهما إمبراطور وإمبراطورة اليابان حالياً بزيارة للمملكة عام 1981. وحضر الأمير نواف بن عبد العزيز مراسيم تتويج الامبراطور نيابة عن الملك فهد عام 1990. قام ولي عهد اليابان الأمير ناروهيتو وزوجته الأميرة ماساكو بزيارة للمملكة عام 1994.
وبالنسبة للتطورات الحديثة، قام رئيس وزراء اليابان ريوتارو هاشيموتو والملك فهد - - بصياغة "الشراكة الشاملة نحو القرن الحادي والعشرين" عندما زار الأول المملكة عام 1997. زار ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز اليابان عام 1998 ووقع "التعاون السعودي الياباني مع رئيس الوزراء كييزو اوبوتشي.
كما زار وزير الخارجية الياباني يوهي كونو المملكة عام 2001 وأعلن مبادراته في ثلاثة مجالات: تشجيع الحوار بين الحضارات مع العالم الإسلامي وتطوير مصادر المياه والحوار السياسي الواسع المتعدد.
اليابان استقبلت منذ سنوات عدة الأسبوع الثقافي السعودي الذي أُقيم في مدينة أوساكا بكل حفاوة وترحيب، إضافة إلى وجود نحو 400 طالب سعودي يلتحقون بالجامعات اليابانية.
وإذا كانت العلاقات الثنائية بين المملكة واليابان تطورت بهذه السرعة على الصعيد السياسي، فهي حققت قفزات مهمة على الصعيد الاقتصادي، إلى أن تبوأت اليابان مرتبة الشريك الثاني للمملكة، وإحدى أكبر الدول المستثمرة في السعودية.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة واليابان أكثر من 57 مليار دولار سنوياً، كما أن طوكيو التي تستورد 90 % من احتياجاتها من الطاقة النفطية من منطقة الخليج، تبلغ حصة المملكة منها أكثر من مليون برميل، كما أن المملكة بادرت إلى سد العجز في الواردات اليابانية من النفط بعد فرض الحصار الاقتصادي على إيران التي كانت واحدة من أهم الدول التي تعتمد عليها طوكيو في استيراد النفط.
وتحتل اليابان المرتبة الثانية في العالم من حيث قيمة الناتج الوطني الإجمالي بنحو 5.5 تريليون دولار في عام 2010م، كما أنها ثالث قوة تجارية في العالم، وتأتي الصناعة دعامة رئيسية في اقتصاد هذه الدولة، إذ تعد المنتج الأول للحديد والصلب في العالم، وثالث قوة في تكرير البترول، وأول منتج للسيارات، وتساهم بنحو 40 % من الإنتاج العالمي للسفن، ولديها أكبر أسطول تجاري في العالم.
وهناك آفاق رحبة ومفيدة للجانبين وفي مجالات عديدة لا تقف فقط عند النفط السعودي أو الواردات التقليدية من اليابان، ويمكن أن يمتد هذا التعاون إلى مجالات كثيرة منها: الطاقة الجديدة والمتجددة وإدارتها وتأمينها، فاليابان لديها تجارب مهمة في تأمين محطات الطاقة النووية، حيث سبق لها أن أغلقت 51 محطة نووية بعد حادث فيكوشيما وأجرت عليها تجارب الأمان النووي ولم يتسرب منها أي إشعاعات ضارة، حيث لليابان تجارب طويلة ومتكررة مع الكوارث الطبيعية باعتبارها تقع ضمن حزام زلزالي نشط في الوقت الذي تعتمد فيه كثيراً على الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وأيضاً لدى طوكيو تجارب في توليد الطاقة عبر الرياح أو الطاقة الشمسية أو التي تعتمد على الانبعاث الحراري من باطن الأرض، والمملكة في حاجة إلى الطاقة من هذه المصادر بما تملكه من مساحة ومناخ ما يتيح لها الاستفادة من هذا النوع من الطاقة بديلاً للوقود الأحفوري، إضافة إلى التعاون في مجال أمن المعلومات، والحرب الإلكترونية، والاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات الحديثة والمتطورة في تقنية المعلومات.
كما تمتلك اليابان إمكانيات متطورة في مجال كسح الألغام وتطهير المياه منها ويمكن الاستفادة من ذلك في تنقية مياه الخليج من الألغام بشكلٍ مستمر، خصوصاً أن اليابان مقبولة لجميع الأطراف المطلة على الخليج أو تلك التي يهمها تأمين هذه المنطقة الحيوية والمهمة من العالم، إضافة إلى خبرات اليابان في تأمين سواحلها الطويلة جداً باعتبارها أرخبيلاً من الجزر، ومع ذلك تستطيع تأمين هذه السواحل الشاسعة عبر المراقبة الإلكترونية.
كما يمكن أن تكون اليابان شريكاً مهماً في أمن الخليج والممرات المائية المهمة في المنطقة ومنها مضيق هرمز، حيث تعد هي والمملكة من الدول التي لها علاقات متميزة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وباعتبار أن واشنطن تولي أمن منطقتي الخليج والباسفيك أهمية كبيرة وهذا الدور يمكن أن تساهم فيه اليابان بفاعلية كبيرة مع المملكة خصوصاً أنها دولة مقبولة وليست لها أطماع خارج حدودها وتربطها علاقات جيدة مع كل الأطراف.
وتسعى السعودية لإبرام اتفاقية التجارة الحرة بين اليابان ودول الخليج، وزيادة دور القطاع الخاص في تطوير العلاقات السعودية اليابانية من خلال تفعيل دور مجلس الأعمال السعودي الياباني والعمل على إيجاد أرضية صلبة مشتركة بين القطاع الخاص في الدولتين، وإنشاء مكتب لتسهيل التجارة والاستثمار بين البلدين، وإنشاء صندوق استثماري مشترك والتوسع في إقامة المشروعات المشتركة بين البلدين وتبادل الخبرات.
كما وقعت جامعة الملك عبدالعزيز في جدة العام الماضي، اتفاقية تعاون مشترك مع جامعة توكاي اليابانية، بهدف تصميم وصناعة طائرات دون طيار تستخدم في الأغراض المدنية، إضافة إلى معمل للطاقة الشمسية يعد الأول من نوعه في المملكة، لإنتاج الطاقة الشمسية، التي تعد ضمن الحلول البديلة للطاقة التقليدية.
وتوجد اتفاقيّات بين اليابان والسعودية بشأن الشراكة في الطاقة الشمسية، وتحلية المياه المالحة، والتبادل الثقافي.