لو لم يكن د. عدنان إبراهيم هو الضيف الرئيس لبرنامج "صحوة" مع بقاء نفس عناوين حلقات البرنامج ونفس مقولاته وفلسفته وأفكاره والنتائج التي توصل إليها في تلك الحلقات، لما أثار هذا البرنامج، ربما، ذلك الصدى الكبير الذي تردد في مدى التلقي سلباً وإيجاباً منذ حلقته الأولى بل وحتى قبل بث تلك الحلقة! صحيح أن اسم البرنامج وعناوين موضوعاته مما يثير ويغري بالمتابعة والاهتمام في ظل واقع مليء بأسئلة حول ذلك الاسم وتلك العناوين من شرائح مجتمعية كثيرة ومن منطلقات مختلفة، إلا أن هذا كله وعلى أهميته، لم يكن هو السبب الأول في تلك الإثارة الإعلامية التي تحولت إلى إثارة جماهيرية صاحبت بث الحلقات منذ بداياته وحتى الآن حيث نقترب من نهايته مع نهاية الشهر الفضيل، أما السبب الأول، فهو اسم عدنان إبراهيم نفسه، ذلك أن معظم من كون وجهة نظر معينة تجاه البرنامج إنما كونها متكئاً على ما يعرفه عن هذا الرجل سابقا، بل إن البعض لم يتابع البرنامج ولم يشاهد أي حلقة من حلقاته، باعترافه، ومع هذا لم يتورع عن انتقاده بقسوة إلى حد المطالبة بإيقافه! أما لماذا فلأن اسم عدنان إبراهيم يمثل علامة إشكالية فارقة تتقاطع فيها كثير من القضايا الخلافية في الفكر والدين والثقافة والمبادئ والأخلاق، فللرجل تاريخ طويل نسبياً في التناقض الذاتي، والمشكلة أن معظم ما قاله في خطبه ودروسه تحتفظ به ذاكرة اليوتيوب ويمكن استدعاؤه وقت الحاجة، والمشكلة الأكبر أن عدنان إبراهيم يعرف هذا تماماً ولكنه مصرٌ، كما يبدو، على المضي قدماً في مشروعه الذي ربما لا يعرفه أحد سواه، ولا يتضح لنا من ملامحه سوى التناقض الكبير الذي تشهد به مقاطعه اليوتيوبية الشهيرة. وقد انتشر مؤخرا مقطع يوتيوبي اجتهد صانعه في تجميع عدد من الآراء والمقولات لعدنان إبراهيم حول بعض خصومه المعاصرين والمجايلين له بالإضافة إلى آرائه ببعض الجماعات والأسماء التاريخية، تعقبها آراء أخرى له تتناقض معها ويبدو فيها عدنان إبراهيم متناقضاً مع نفسه تارة ومنتقداً نفسه، من دون قصد منه، تارة أخرى! وهو ما جعل كثيراً من المتابعين المحايدين يضعون علامات استفهام مستحقة على ما يقوله بالمجمل وعلى أسلوبه في قوله! فمن يناقض نفسه بنفسه وينتقد الآخرين على تصرفات لا يتورع عن تبنيها بحماسة لا يستحق وفقاً لهؤلاء أن تؤخذ مراجعاته الفكرية والفقهية بعين الاعتبار الحقيقي! ظهر عدنان إبراهيم قبل عدة سنوات كظاهرة دعوية جديدة على صعيد الشكل والمضمون أيضاً في وقت التشابه والتقليد، فحظي بكثير من المعجبين والمريدين الذين أصبحوا يتلقفون خطبه وأحاديثه المسجلة تلفزيونياً بشغف، ويرددون الكثير من مقولاته مأخوذين بقدرته الكبيرة على الحفظ والاستظهار والثقافة السماعية، ومنبهرين بموهبته في الخطابة والاستعراض اللغوي والتي لا تشوبها سوى سرعته المبالغ فيها بالكلام وعصبيته الشديدة أثناء مخاطبة الآخرين أمامه ولجوئه إلى مفردات يمكن وصفها بأنها غير لائقة وبعضها أسوأ من هذا الوصف بكثير. ومع أن بعض الصور الفوتوغرافية والتسجيلات أظهرت فيما بعد أنه في كثير من هذه الخطب والأحاديث لم يكن يخاطب إلا الكاميرا وما حولها من فراغ موهماً المشاهدين أنه يجلس في جمع من الناس لإضفاء المزيد من الهيبة والأهمية على الشخصية وعلى الجلسة، إلا أن انكشاف الأمر لم يكن ليعني شيئاً لمن يريد أن يتناول ظاهرة هذا الرجل بموضوعية وإنصاف، سوى في الحكم على الملامح النفسية للشخصية وما تنتجه من معطيات فكرية ومعرفية! ورغم المآخذ الكثيرة عليه ومنهجية تفكيره وأسلوبه في الكلام وعدم تقبله للرأي الآخر والسلاطة التي تقترب أحياناً من البذاءة في النيل من خصومه بل ومن الأسماء التاريخية المعروفة إسلامياً، وغالباً بلا أسانيد مرجعية حقيقية، وأحيانا بما يخالف المجمع على توثيقه، إلا أن هذا كله لن يجعلنا نغفل عن جرأته المحمودة في فتح الكثير من الملفات المغلقة في تراثنا ونفض الغبار عن قضايا كان ينبغي على جميع من يشتغل بالفكر الديني أن يتصدى لها، ولم يفعل منهم ذلك للأسف إلا قلة وعلى استحياء! ومن تلك القضايا على سبيل المثال موضوعات بعض حلقات البرنامج مثل؛ السنة والتأسي، وفقه الواقع، والاختلاف الفقهي، والخوف من الفلسفة، وظاهرة الإلحاد، وعمل المرأة والاختلاط، والوعظ والحجاب والموسيقى والترفيه وتوظيف الدين سياسياً وغيرها. وهذه، بالمناسبة، عناوين جذابة في لغة الإعلام المعاصر خاصة إذا ما نوقشت في ظلال دينية وبإطار إعلامي حديث، وهو ما ساعدت قناة روتانا خليجية بإمكانياتها الكبيرة على تعزيزه فقدمت هذا البرنامج في ذروة المشاهدة التلفزيونية الرمضانية، واختارت له فريق إعداد تميز في اختيار موضوعاته، كما أن اضطلاع د. أحمد العرفج بتقديم البرنامج وإثارة أسئلة ومداخلات متميزة خلاله، بطريقته الهادئة ولطفه المعروف، ساهم في تصاعد وتيرة الحوار داخل الحلقة الواحدة، ثم في تصاعد وتيرة الحلقات نفسها على مدى الشهر الفضيل، وهذه كلها عوامل تكاملت لتصنع برنامجاً تلفزيونياً ناجحاً بمادة فكرية وثقافية ودينية دسمة سواء اختلفنا أم اتفقنا مع محتواها المعرفي. وقد تمثل هذا النجاح الإعلامي للبرنامج في ارتفاع عدد مشاهداته سواء أكان ذلك أثناء عرض الحلقات على الشاشة التلفزيونية أم عبر المشاهدات الشخصية في اليوتيوب، بالإضافة إلى ما أثاره من ردود أفعال كبيرة وكثيرة في التدوينات الشخصية للمشاهدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقالات الكتاب والصحفيين، وردود فعل أخرى اتسمت بالطابع الرسمي أو شبه الرسمي وأبرزها البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ونشرته في تغريدة على حسابها في تويتر حذرت فيها حرفياً من "ضلالات عدنان إبراهيم القائمة على سب رموز الصحابة والمليئة بالمتناقضات، والمتضخمة بالأنا"، وطالبت الهيئة في ذات التغريدة من سمتهم المختصين ب"كشف ذلك للجميع"! من دون أن توضح لنا في المقابل من هم المختصون ولماذا لا تعتبر نفسها في زمرتهم إذن؟! على أن هذا النجاح الإعلامي "صحوة" قابله فشل ثقافي فكري تمثل في اعتماد سبيل التناقض الذاتي على طريقة عدنان إبراهيم نفسه، فالبرنامج الذي يزعم بطريقة غير مباشرة أنه يكرس ثقافة اختلاف الرأي باعتبارها مظهراً مجتمعياً وثقافياً صحياً وقع فيما انتقده من أحادية، حيث أغلق نفسه على الرأي الواحد، وحتى المداخلات التي تتخلل الحلقات كانت مداخلات محسوبة وفقيرة ليس لجهة اختيار الأسماء، (والتي كنت أنا إحداها لكنني اعتذرت عن المشاركة لأسبابي الخاصة مع الشكر لفريق البرنامج على الدعوة الكريمة)، بل لجهة طريقة المشاركة المعتمدة على الاتصال الهاتفي أو التسجيل المسبق بعيداً عن أجواء النقاش الحقيقي في الاستوديو والإلمام بكل تفريعاته ومفاصله، فكانت في معظمها عبارة عن أسئلة استفسارية وليست إشكالية ولا تختلف عن أسئلة فريق الإعداد كثيراً، بالإضافة إلى صغر حجم المساحة المتاحة لهذه المداخلات الجاهزة، مما عزز من الطبيعة الإقصائية، غير الملاحظة بشكل مباشر، للبرنامج. ومما عزز من تلك الطبيعة الإقصائية للبرنامج هيمنة شخص عدنان ابراهيم الأحادي الواحد بتناقضاته الشهيرة والتي لم يتطرق لها فريق البرنامج لا بالإشارة ولا بالنقاش، وإن بعيداً عن شتائمه واتهاماته وخزعبلاته وخرافياته وقصصه الماضوية المضحكة التي لم يتراجع عنها يوماً لنعتبرها من الزلات الماضيات في مراحل معينة من سيرته مثلاً، لكنه هذه المرة تركها عند عتبة البرنامج ربما ليمضي البرنامج حتى نهايته بسلام .. وحسناً فعل، على الأقل لنصدق أن عنوان البرنامج هو "صحوة"… وإن كانت صحوة مزيفة!