ندرك أن الخطاب الثقافي السعودي يعاني صراعات مذهبيه وفكرية، كما أن شيوع ثقافة الإقصاء لها آثار سلبية ربما تلقي بعاتقها على الفرد والأسرة والمجتمع بشكل عام، كانتشار ثقافة السلطوية والاستبداد وتعزيز مشاعر الحقد والكراهية وتمزيق الروابط الاجتماعية. ويرى النقاد والمثقفون والأدباء السعوديون أن مستقبل الخطاب الثقافي أصبح مهددا مقابل دور المثقف السعودي، مرجعين ذلك إلى ضعف حضور الخطاب الثقافي وعولمة الثقافة التي أصبحت تعني وبشكل سلبي السيطرة الثقافية. "الرياض" طرحت هذه القضية في حديث خاص مع مشرف الحوار الوطني وعضو مجلس إدارة النادي الأدبي بحائل سابقا الإعلامي علي بن حمود العريفي الذي أكد أن خطابنا الثقافي يعاني أزمة التصنيف والفكر الاحادي وغياب التعددية الفكرية التي تفضي إلى التعايش والوسطية والاعتدال، مشيرا إلى ان غياب ثقافة الحوار والشفافية، وانعدام قيم الوسطية والاعتدال والتسامح في الخطاب الثقافي في مجتمعنا تحديداً أفرز ما يسميه الاجتماعيون ب(العقلية الإقصائية) التي تشكل وبحسب الدراسات الاجتماعية معوقاً من معوقات التنمية، وقال: إن ثقافة الإقصاء أو التعصب مظهر من مظاهر الجاهلية الثانية لا يتناسب وثقافة الحوار الحضاري، وهذه الثقافة تنم عن شخصية غير متزنة او مضطربة في سلوكها الاتصالي والوجداني، بل هي ثقافة مهزومة تعكس حالات سلوكية معادية للحوار وأديباته وعدم احترام الاخر ومصادرة آرائه وهذا يولد الجفاء والانكفاء على الذات. وأشار العريفي إلى أنه وفي الآونة الاخيرة بدأت ظاهرة التصنيف بين أوساط المجتمع هذا المفهوم له خطره على اللحمة الوطنية وعلى الوطن وأمنه السكاني والجغرافي والتصنيف يولد الفرقة والصراع الفكري وهو مايؤثر سلبا على هويتنا الثقافية وقيمنا الاجتماعية وصورتنا الحضارية والتي نحن بأمس الحاجة لها في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها الوطن من تحديات الفرقة والانقسام وأهمية تغليب الأمن الفكري والسلام الاجتماعي ونبذ الفرقة الفكرية والاجتماعية وتغليب مصلحة الوطن وثقافته وأمنه ونحن في عصر الانفتاح الثقافي على الاخر وقبول الاخر وبث قيمنا الاسلامية للآخر وإرثنا الثقافي وقيمنا الاجتماعية فلا بد من بث ثقافة الاختلاف وأدب الخلاف والتمييز بين الخلاف والاختلاف لأن الاختلاف ثراء والاختلاف حراك ثقافي مهم يؤكد المفاهيم واحترام وجهات النظر بين المتحاورين وتبادل الآراء والحوار حولها وينتهي الحوار باحترام وجهات النظر دون أن يلتقي المتحاورون على نقطة واحدة بل ان كلا منهم يتناول الموضوع من زاويته مع ايمانهم جميعا بان لا أحد يملك الحقيقة المطلقة. وفيما يخص الحوار الأسري أكد: أن إعادة صياغة حوارنا الاسري في المنزل وعدم اقصاء الطفل عن مجالسة الكبار لكي لا ينتج لنا جيل مكبل بالخجل والتردد وعدم الشجاعة الادبية والثقافية، ولم يعد لإقصاء الطفل مكان في زمن المتغيرات، ولكن هذا الموروث لا يزال يستعيده البعض بين حين وآخر، هذه الثقافة لم يعد لها مكان في الثقافة الاجتماعية لأنها تعبر عن نزعة ذاتية أحادية لم تعد تلقى صدى في الوسط الاجتماعي والثقافي ،. ولا يمكن للعقلية الإقصائية بناء مجتمع متعدد منسجم مع نفسه ومع غيره. وكذلك الحوار التربوي في المدرسة والحوار الاجتماعي، بتأسيس حوار حضاري واعٍ يأخذ المنحى التنويري الجدي، ولمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني باع طويل في حلقاته في المناطق وملتقياته في الداخل والخارج في تأصيله لهذه المفاهيم، بقي على الاسرة والمدرسة والمجتمع بأن تعي اهمية التنشئة على هذه القيم الحضارية في تنفيذ برامج وإقامة ورش عمل وملتقيات علمية وندوات ثقافية مكثفة.. تنادي بتأصيل وتفعيل الحوار والارتقاء بالخطاب الإعلامي في مجتمعنا.. لتحقيق السلام الاجتماعي والامن الفكري وهو من اسباب ترسيخ العدالة واشاعة ثقافة التعايش الفكري والثقافي بين اوساط المجتمع. واستطرد العريفي: أما ثقافة الاقصاء والتعصب الفكري واشاعة مقولة اذا لم تكن معي فانت ضدي فهذه مقولة تعكس حالات سلوكية معادية للحياة المتوازنة ونجد بعض المجالس الان تفتقر الى الحوار المنطلق من ادبيات حضارية في اسلوب وطريقة التناول في الحوار وتغليب الانتصار للرأي الشخصي وعدم الاصغاء للرأي الاخر وغياب ثقافة الاختلاف. مؤكدا أن لغة الاقصاء لا تليق بمجتمعنا السعودي، لأنها تتعارض مع مفاهيم تعاليم الدين الإسلامي، الذي يقوم على ثوابت دينية ومسلمات تشريعية، تجعل من الاقصاء والعنف والتخوين أمراً مرفوضاً، بينما اعتبر الكثير من الباحثين ان التشنج والشحناء سببه وسائل التواصل الاجتماعي بصفة خاصة التي شاع فيها التصنيف الفكري والشخصنة في خطابنا الذي طغى عليه الجانب السلبي للتصنيفات الفكرية، التي وصلت إلى الطعن في النوايا والاتهام في الغايات والمقاصد مما يفرض مراجعة جادة لخطابنا الثقافي، الأمر الذي يحتاج معه إلى وضع قانون يجرم أصحاب تلك التصنيفات التي تتجاوز التصنيف إلى شخصنة تكيل الكثير من الشتائم والقذف تجاه العديد من الأشخاص، إضافة إلى ما يقف وراءها من أيديولوجيات مختلفة زادت من وجود ظاهرة التصنيفات الفكرية على عدة مستويات ومجالات فكرية وثقافية مختلفة، مما أخرج أصحاب تلك التصنيفات عن الوسطية والاعتدال وقبول الرأي والرأي الآخر. وفي ختام حديثه أشار الأستاذ العريفي إلى أن المشكلة لا تكمن في الاختلاف لأنه يعني التعدد والتنوع لوجود أصناف من الأفكار والتوجهات ضمن إطار جمعي يضم أطراً عامة، مما يتطلب تكريس ثقافة الحوار كفكر وكممارسة ومراجعة جادة لخطابنا الثقافي.