حربنا ضد الإرهاب مستمرة، ومكافحتنا للإرهاب، وموارده، وتمويله، وأفكاره مستمرة وعلى أشدها.. يعلم القاصي والداني أننا نجحنا، وما زلنا نواصل النجاحات الأمنية في حربنا الشرسة والطويلة هذه. أنها حقائق مسلّمة تظهرها الوقائع على الأرض.. لكن هذا لا يعني أن "نُطَبل" و"نصفق" ونخدع أنفسنا بأن نقول: "إن كل شيء على ما يرام".. ونتغافل عن لب المشكلة، ونكابر، ونشيح بوجوهنا عنها، أو ندس رؤوسنا كالنعامة بالتراب حين تواجهها المصاعب والتحديات رأي العين! فليس هذا من شيمنا، ولا من عاداتنا.. فنحن كما قال سلفنا الأول: إنّا لنُرخص يوم الروع أنفسنا ولو نُسام بها في الأمن أغلينا بيض مفارقنا، تغلي مراجلنا نأسوا بأموالنا آثار أيدينا ونركب الكره أحيانًا فيفرجه عنا الحفاظ وأسياف تواتينا إن حربنا ضد الإرهاب لا هوادة فيها ولا مهادنة، إذ لا مكان لأنصاف الحلول.. بل هو الحسم والسحق..ولذا كان لزاما مواجهة تلك الحقائق المُسلًّمة أيضا، والتي تقول إن تجنيد الإرهابيين السعوديين لا يزال مستمرا داخل المملكة.. صحيح أن تجنيد الإرهابيين مستمر في كثير من دول العالم، وليس حصرا على جنسية بعينها.. أو عرق، أو طائفة، أو دين. وهو ما أرجعه في الأوساط المسلمة لانتشار فكر تنظيم الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم وليس هذا المقال في معرض تناول ذلك والتوسع فيه – لكن هذا كله لا يعنيني بقدر ما يعنيني استمرار تجنيد شباب سعوديين، وبأعداد ليست بالقليلة. وهو في المحصلة ما يهدد أمننا واستقرارنا بل ويسيء لهويتنا وديننا الإسلامي السمح القويم.. وبالتالي فإن خطر هذا التجنيد يهدد مصالحنا العُليا.. ويمس كينونتنا وهويتنا بالدرجة الأولى. ورأينا جميعا كيف تسعى قوى وتيارات تستهدف الدين الإسلامي السمح، والنهج الوسطي، باستهدافها لهذه البلاد الطيبة المباركة، هذه القوى والتيارات والجماعات التي يأتي على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، وأخته التوأم ثورة الملالي ودولتهم في طهران، تسعيان لوسمنا بالإرهاب، وهي التي زرعت بذوره خفية داخل المجتمع، ورعته، وسقته، ودعمته. حتى إذا كبرت شجرتها الخبيثة وأثمرت ثمارها الشيطانية.. كانت هذه الثمار على هيئة شباب سعوديين في الظاهر بيد أن باطنها تشرب فكر الخوارج وجبل الحشاشين وقلعة آلموت وثورات الإسلام السياسي، وقد تطرقت لشيء من ذلك في مقالة سابقة حملت عنوان: "خطر أعظم من الإرهاب يهددنا في المملكة". وعليه وجب لزاما أن نصدق مع الله، ونتجه بكل ما أوتينا من قوة، للقضاء على أصل المشكلة بحزم وعزم.. وإلا فسنظل ندور في حلقة مفرغة حتى تستنزف القوى لا سمح الله! فما أن نقضي على ثلة من الإرهابيين السعوديين حتى تظهر أخرى.. لذا حق علينا أن نتساءل.. ما سر استمرار تجنيد مزيد من شباب هذا الوطن للانضمام لهذه التنظيمات الإرهابية، أو للقيام بعمليات إرهابية منفردة والتي تُعرف بتكنيك "الذئاب المنفردة"؟! قد يقول قائل إنهم أعداد قليلة لا يُعتد بها.. وهذا غير صحيح، ونوع من خداع النفس، والتهرب من الحقائق على الأرض.. فمنذ عام 1995م وحتى اليوم ووزارة الداخلية تعلن القوائم تلو القوائم، حتى وصل أعداد هؤلاء الذين باشروا بأنفسهم وأيديهم حمل السلاح، والقيام بعمليات إرهابية عشرات المئات، عدا عن الآلاف الذين سافروا لسوريا والعراق للالتحاق بتنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيين.. وهذه أرقام أصدرتها وزارة الداخلية.. أي أنها موثقة ولا تحمل أي نوع من صيغ المبالغة. هذه القوائم التي تحوي أسماء من شبابنا بالآلاف هي فقط لمن حمل السلاح وتورط فعلا في تنفيذ عمليات إرهابية، وهي فقط لمن تم الكشف عنهم، ونجحت أجهزتنا الأمنية في تتبعهم وجمع الأدلة والقرائن التي تؤكد تورطهم في هذه العمليات. وبطبيعة الحال، هناك أعداد أخرى لم تجتمع الأدلة والمعلومات والقرائن على تورطهم في مثل هذه العمليات بعد.. بخلاف من يحمل ذات الأفكار والتوجهات لكنه لم يرفع السلاح بعد. عدا عن أولئك الذين لديهم الاستعداد الكامل لحمل مثل هذه الأفكار والتوجهات الإرهابية.. نحن أمام مشكلة كبرى حقيقية وينبغي مواجهتها.. إنه أمر واجب في الحال، يحتمه الدين لصون جنابه، ولصون الأعراض والدماء، ولصون الوطن. إننا أشبه ما نكون في مواجهة مع "مصنع" متخفٍ.. يزج بمنتجاته ومخرجاته داخل مجتمعنا.. لكن مدخلاته أيضا هي من داخل المجتمع كما تظهر الحقائق أمامنا.. فما سر هذا "المصنع" الذي يولد إرهابي تلو الإرهابي؟ أين هو؟ وكيف السبيل لتدميره عن بكرة أبيه؟ الجواب سهل لمن وفقه الله، إنهم دعاة ومشايخ الفتنة الذين تشربوا فكر تنظيم الإخوان المسلمين، وهاهم يبثونه بين أبنائنا وشبابنا.. إنهم من ترونهم يثني على ثلاثي الدمار والإرهاب "حسن البنا، سيد قطب، والمودودي"، إنهم من ترونهم عند كل فتنة يظهرون، وفي الملمات لشق العصا يبرزون.. ولتهييج الشباب للفوضى والخروج عن طاعة ولاة الأمر، و"النفير" يولولون، ثم إذا جد الجد واستتب الأمن إذا هم منهم يتنصلون..! إنهم من رأيتهم تارة يثنون عن القاعدة، وتارة ينكرون!.. تارة يدعون للنفير، وتارة يجحدون!.. تارة يستغلون مآسي المسلمين فتراهم يتباكون لتهييج الشباب الغر، ثم إذا هم بالنعيم يتقلبون.. وبين أهليهم يضحكون! إنهم من كانوا في التسعينات يكفرون على الكبيرة.. واليوم يدعون لتعطيل البيعة والشريعة! ويقولون بأن "المثلية" لا تستلزم العقوبة الدنيوية! إنهم الذين ترونهم يدغدغون مشاعر العامة، عبر العزف على دواعي الحقوق، وقصدهم من ذلك إغارة الصدور، ونشر الفوضى والفجور.. إنهم من ترونهم في وسائل التواصل الاجتماعي يشككون في مؤسسات الوطن، ويصفون هذا بالتصهين، وذاك بالليبرالية والفاشية، وثالثهم بالجامية!.. ثم هم للديمقراطية وحكم الرعاع يروجون.. ولفصل الدين عن الدولة يتباهون! إنهم الذين وصفهم الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه ب"دعاة على أبواب جهنم".. أولئك وجب معهم البتر.. ولأفكارهم الطمر…. .. إلى اللقاء. [email protected]