تسعى إيران إلى بسط نفوذها في الشرق الأوسط، تنفيذًا لمخططها الساعي وراء الهيمنة، ونجحت بالفعل في إيجاد بيئات خصبة تساعدها في بسط نفوذها في الداخل العربي، فعبر دعمها للميلشيات المسلحة بالمال والسلاح، أصبح لإيران وجود قوي سواء في اليمن، سوريا، العراق، لبنان، وما زالت إيران تسعى لتمديد نفوذها ومخططها عبر دول الشرق الأوسط برمته. ومنذ ثورة 1979، كان الدافع وراء الجمهورية الإسلامية في السياسة الخارجية الإيرانية، الرغبة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وفق تصورها الأيدلوجي في تصدير الثورة، كما تسعى طهران لنشر مفاهيمها من الحكم الإسلامي، المتمثل في معارضتها لدولة إسرائيل وتأكيد هيمنتها الإقليمية من خلال مناهضتها الولاياتالمتحدة باعتبارها القوة المهيمنة في الإقليم، وقد استخدمت إيران في "شبكة المقاومة" من الشركاء، والوكلاء، والجماعات المسلحة، بما في ذلك حزب الله اللبناني، في حين توظف مجموعة من قدرات الردع بما في ذلك الصواريخ البالستية والمنصات البحرية، وأهم هذه الأسلحة السلاح النووي. وتعتبر الولاياتالمتحدة وإسرائيل ليست العقبة الوحيدة لأهداف إيران في المنطقة، فمنذ سقوط نظام صدام حسين في العراق، بدأت المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، في مناهضة الهيمنة الإيرانية، وفق ما تمتلكه دول مجلس التعاون الخليجي من القوة العسكرية الاقتصادية، والسياسية الهائلة، وهي تفوق ما تمتلكه وتسعى إيران عن طريق ترويج الإسلام الشيعي الذي يعتبر من أهم أدواتها كقوة ناعمة، وذلك من أجل التربع على القيادة الدينية للعالم الإسلامي، وفي المقابل تقف المملكة العربية السعودية، كأكبر تحدٍ أيديولوجي لمحاولات طهران لتأكيد الزعامة في العالم الإسلامي، باعتبار موقع السعودية الإسلامي بوجود الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، الأمر الذي يعطيها اليد العليا في المعركة من أجل القيادة الروحية بين المسلمين، سواء كانوا من السنة أو الشيعة. وتعود بذور الخلاف بين الشيعة والسنة إلى منشأ سياسي في الأساس، رافقها محاولات لإضفاء مصداقية مغلفة بصبغة دينية كل لمذهبه، والمسألة الأساسية عند الشيعة، وسبب انشقاقهم عن الجماعة كانت الإمامة، والتي تحل لديهم محل الخلافة، والفرق بين الإمامة والخلافة هي أن الإمام يجب أن يكون من نسل علي، والذي منحه الله قدرات خاصة تجعل منه معصومًا وهو وحده المؤهل لتفسير النصوص الدينية والاجتهاد الفقهي بحسب الواقع وقيادة الأمة، وإن إحلال الإمامة محل الخلافة عند الشيعة، ليس مجرد استبدال مصطلح بآخر، الإمامة تتفوق على الخلافة من وجهة نظرهم، الإمام أقدر من كونه خليفة رسول الله، إنه مكلف بمهمة مع مهمة الرسول، وهم يعتبرون مهمة الرسول إبلاغ القرآن، وهذه يقولون عنها انتهت، لأن الرسالة بلغت وانتهت، ومهمة الإمام قيادة الأمة إلى يوم الدين. ويشكّل الشيعة في العالم باختلاف فرقهم بحسب أغلب الإحصاءات ما بين 7.6% إلى 13% كحد أقصى من مجموع المسلمين جميعًا، ويتمركز أكثر من ثلث هؤلاء في إيران وحدها، وعليه، فإن إيران تشكّل مركز الجاذبية لهؤلاء ليس على المستوى المذهبي فقط، وإنما على المستوى السياسي أيضًا على اعتبار أن السياسة والدين متمثلان في الولي الفقيه المرشد الأعلى الذي يمتلك قوة ناعمة هائلة بحكم الموقعَيْن لدى أتباعه المنتشرين ليس داخل إيران فقط وإنما خارجها أيضًا، والذين يقومون بشكل طوعي مبرمج لخدمة مصالح الدولة الإيرانية نظرًا لطبيعة العلاقة الدينية التي تربطهم بأتباع الولي الفقيه، وذلك للارتباط الديني السياسي بشكل وثيق، نظرًا لكون الفقيه قائدًا سياسيًا لإيران إلى جانب كونه مرجعاً دينياً، وتعمل إيران على نشر فهمها للنموذج الشيعي المتمثل بولاية الفقيه على أساس القومية الفارسية، والاعتزاز بها حول العالم، كما تُعلي إيران من شأن قم كإطار مرجعي (مقابل النجف) لتخريج الأئمة الموالين لها، والذين يعملون كسفراء لقوتها الناعمة، ينشرون رسائل إيران الدينية والثورية والإعلامية والثقافية والسياسية، وتركز إيران على نشر التشيع على الخليج العربي الذي يحتل الأولوية في الاستراتيجية الإيرانية. والمنطقة العربية وإفريقيا، وقد ساعد ذلك على تقوية موقع قم في اجتذاب أبناء المنطقة، ويبدو ذلك واضحًا من خلال تحول أغلب المراجع الشيعية في لبنان من مرجعية النجف إلى قم خلال أقل من عقدين، بالإضافة إلى ازدياد عدد الطلاب العرب الذاهبين إلى قم مقارنة بما كان عليه في السابق، كما تستخدم إيران التشيع في إطار علاقاتها الخارجية على نطاق واسع، وهو ركن أساس لتوهج القوة الناعمة الإيرانية على مستوى البيئة الحاضنة الشيعية الموالية للولي الفقيه، بما يخدم المشروع الإيراني في المنطقة، ويرى الباحث الإيراني كيهان برزكار أن استخدام التشيع في السياسة الخارجية قديم، لكنه أصبح أكثر فاعلية بعد أزمة العراق عام 2003، حيث دخل التشيع في إنتاج السلطة والسياسة في الشرق الأوسط؛ مما أدى إلى تقوية دور ونفوذ إيران، فعنصر التشيع أدى إلى تحويل العراق إلى دولة صديقة ومتحالفة مع إيران، وأعطى الحضور الفعال والمصيري في قضايا العراقولبنان، والشرق الأدنى بشكل عام على حد قوله، ومثله يقول الباحث الإيراني والخبير في السياسة الخارجية الإيرانية في طهران "فرزاد بيزيشكبور" في مقال له بعنوان "إيران وميزان القوى الإقليمي": إن النظام العراقي بقيادة صدام حسين لم يعد موجودًا اليوم، أما النظام الثاني المعادي لإيران والمتمثل بنظام طالبان الأفغاني فقد تم التخلص منه، واليوم فإن القادة الجدد للعراق وأفغانستان أكثر قربًا لإيران من أي طرف آخر، وبدلاً من صدّام لدينا الآن رئيس عراقي غير عربي وفخور بمعرفته وإتقانه اللغة الفارسية، وعدد كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان العراقي كانوا قد أمضوا سنوات طويلة في إيران وأنجبوا أولادًا لهم هنا، ودخلوا مدارس طهران وتعلموا بها. كذلك يحتل اتباع المذهب الشيعي، اليوم، في العراق، ولبنان، والبحرين مواقع مهمة داخل الأنظمة السياسية لبلدانهم، مما يعطي إيران اليد الطولى في المنطقة، كما تسعى طهران لتوحيد الأقليات الشيعية في كل مكان تحت رايتها، وتستخدم أيضًا المصطلحات التي تساعد على توسيع نفوذها في هذا الإطار؛ لنشر التشيع في بيئات أخرى كالتقارب والحوار الأمر الذي يعزز مكاسبها السياسية فقد استخدمت إيران التشيع كأحد الاذرع القوية في بسط نفوذها في المنطقة العربية، والتي بها أقليات شيعية، حيث مثل المذهب الشيعي أهم مرتكزات الثورة الإسلامية في إيران، ونص الدستور الإيراني على اعتبار المذهب الشيعي الإمامي هو المذهب، وبالعودة إلى الإمامة باعتبارها مرتكزًا مهمًا عند الشيعية، والتي انبثق منها مبدأ ولاية الفقيه، فهم بذلك لا يعطون أي مشروعية للحكومات التي يتولاها حكام غير علماء، ويعتبر الشعور بالمظلومية والدفع لنصرة المستضعفين من أهم مبادئ المذهب الشيعي، وهو من المبادئ التي قامت عليها الثورة الإيرانية، وعرفت بما يعرف بتصدير الثورة، مما أقلق الحكومات التي تتواجد بها أقليات شيعية، وبالأخص جوارها العربي المتمثل بدول الخليج العربي. وتسعى إيران لنشر التشيع في الوطن العربي، والخليج خصوصًا، وهنالك خطة تم إعدادها عن طريق الولي الفقيه في إيران عرفت بالخطة الخمسينية لنشر التشيع في العالم العربي، والخليج بالذات، ويتم تنفيذها على خمس مراحل كل مرحلة عشر سنوات، وأكدت الخطة في مقدمتها أن تصدير الثورة هو مبدأ أساسي في مرتكزات السياسة الإيرانية الخارجية، ويشتمل تطبيق الخطة مناطق السنة في إيران، والدول الإسلامية، ومن ضمنها الدول العربية.